د.عبد العزيز الصقعبي
في الأسابيع الماضية شاهدنا وتابعنا تكريم عدد من الأدباء والفنانين، وأيضاً المشاهير، ودار جدل حول بعض الأسماء، وبالذات في ملتقى المرأة السعودي الثالث.
أنا لن أتوقف عند أسماء الشخصيات التي كُرِّمت، ولا المؤسسات التي كَرَّمت وممثليها من مسؤولين الذين قدموا الدروع والشهادات للمكرمين، لأن في ذلك شخصنه، وأنا في جميع كتاباتي لا أحب أن أنقد شخصاً بعينه، ولكن يكون لي رأي حول فعل ما، وبالطبع أحرص أن يكون هذا الفعل ثقافياً.
كل شخص رجلاً أو امرأة يتمنى التكريم، من بيته أو عائلته أو عمله، أو من مؤسسات أكبر، وبالطبع التكريم من الدولة هو حلم كل مواطن.
التكريم هو شهادة شكر عملية ومعلنة لقاء جهد ما بذله هذا المكرَّم، فالمتقاعد يُكرَّم من عمله لقاء سنوات قضاها يعمل بجد وإخلاص، والأديب يكرم لعطائه الأدبي، وكذلك العالم والباحث والفنان ومن يقوم بفعل إنساني.
التكريم منحة ربانية قبل أن تكون إنسانية، يقول تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (70 الإسراء).
فالتكريم اختيار وتشريف، لذا فالتكريم يخص ولا يعم، فالله جل جلاله اختار بني آدم عن جميع المخلوقات، وهنا تكمن أهمية التكريم.
التكريم بحد ذاته أمر جيد، بل من المفترض أن تعمل به كل مؤسسة ترغب في تميز منسوبيها، ليعرف الجميع أن الجد والجهد لن يكون عبثاً، وحقيقة أراها في بعض الشركات التي تضع بصورة شهرية صورة لأحد الموظفين أو العاملين كموظف مثالي أو متميز لشهر كذا.
نأتي للتكريم لقاء العطاء الثقافي والإنساني، غالباً يكون التكريم بعد الوفاة، قد يكون تأثيرها جيدًا للآخرين من ورثة وأناس لهم علاقة بالمتوفى، ولكن كم كان ذلك المكرم بعد موته يتمنى لو كُرِّم قبل ذلك، بالطبع وقعها أفضل وأهم، وحتى التكريم بعد الممات، غالباً يكون درعًا، وتأبينًا، وهذا حدث لا يخلّد، بل ينتهي بانتهاء المناسبة، أعتقد أن التكريم الحقيقي هو نشر ما كتب عنه في كتاب، وإعادة نشر نتاجه الثقافي، ربما تحقق ذلك في تكريم الدكتور عبد الله العسكر -رحمه الله- في مركز الملك فهد الثقافي، ولكن البقية مجرد تأبين تنتهي في انتهاء المناسبة كما قلت.
الحالة الأخرى للتكريم، وهي ما تحدث الآن، هو التكريم الجماعي، اختيار مجموعة يتم تكريمهم في حفل أو مناسبة، المأساة أن يكون المكرِّم أصغر وأقل قدراً من المكرَّم، فقط بسبب المنصب الوظيفي، وهذا حدث قبل سنوات عندما تم تكريم أحد المبدعين من قبل مؤسسة ثقافية وقدم للمبدع الشهادة ودرع التكريم موظف مكلف.
في زمن الدكتور عبد العزيز السبيل، جعل بعض الرواد يفتتحون معارض تشكيلية، ويكرمون بعض المبدعين، وتُقام بعض الأنشطة بحضورهم، وهذا أمر جميل، لأن هنالك تكريم للمبدع وتكريم للرائد.
إن أفضل تكريم للمبدع الحي والميت هو إعادة طبع نتاجه الثقافي، ونشره، وإن إعادة غناء أغنيات الفنان الراحل أبو بكر سالم من قبل مجموعة من الفنانين، في حفل تكريمه كان أمراً رائعاً، هي محاولة إحياء وديمومة، وإن طباعة المجموعة القصصية الأولى في المملكة «أريد أن أرى الله» لأحمد عبد الغفور عطار، في يوم القصة العالمي، أكبر تكريم للقصة وللرائد العطار.
أتمنى ونحن ندخل زمناً ثقافياً جديدًا، أن تنتهي مرحلة الارتجال في التكريم، لا بد من ضوابط، ومعايير دقيقة، فيتم التكريم لمن يستحق، وألا يقتصر التكريم على شهادة ودرع، بل يجب أن يتجاوز ذلك بالتعريف بالمكرم، وإيصال نتاجه الأدبي والفكري والفني للجميع، نريد أن نغادر حفل التكريم ونحن نعرف المُكَرَّم أكثر من قبل التكريم، إضافة إلى أن نحمل لبيتنا شيئاً للمكرم نسخة من كتاب له أو «بوستر» من لوحة، أو في أضعف الإيمان كتاب عنه.