د. إبراهيم بن محمد الشتوي
والسؤال هنا الذي يطرح نفسه؛ هل هناك مشكلة من الاهتمام بالذات؟ بالتأكيد ليس هناك مشكلة، بيد أنها هي الأدبيات التي نتحدث عنها، وهي التي تحدد الطبقة البرجوازية من غيرها، خاصة مع انتشار هذه الكتب انتشاراً كبيراً وإقبال الصغير والكبير الذكر والأنثى عليها، وانتشار مراكز التدريب، ووظيفة المدربين بين فئام كبير من الناس، وهم إنما يدربون عليها، وهذا يجعلها - عوضاً عن أن تكون اقتراحات لبعض أهل التجربة- مدونة معيارية يقيس الناس عليها أفعالهم، وحكمًا يعتمدون عليها في تقويم سلوكهم، تحوز الصواب والخطأ بقدر ما تقترب منها، وهذا يمنحها نوعاً من القداسة وكأنها دين جديد مع هذا الانتشار والمقبولية التي تحوزها بين الناس.
والمشكلة أنها في بنائها للذات تركز على قضية واحدة، هي ما أشرنا إليها في الحديث السالف، وتنطلق منها في تحديد «تطوير الذات»، وتحدد مفهومه، والتعامل معه، وفي تحديد حاجات الإنسان، وجعلها هي المركز، بغض النظر عن الحاجات الأخرى، وبغض النظر عن أن تكون هذه التوصيات تقود إلى تضخم «الإيقو» (الأنا)، أو أنها ربما تكون ناتجة عن حساسية مفرطة تجاه الذات والتقدير، الأمر الذي يجعلها نوعاً من العقد نفسية. وعلى افتراض أن المقصود هنا هو محاولة إرضاء «العميل» للحصول على ما يراد منه، وإقناعه بالموافقة، فإنها لا تأخذ بالحسبان أنه - العميل- قد يكون من الذكاء بألا يؤخذ بهذه الكلمات، ويغفل عما تنطوي عليه من خديعة، ولا تأخذ بالحسبان ما سيحدث على المدى البعيد لهذا الكائن «الإنسان» الذي يراد حمله على القبول عن طريق إرضاء ذاته.
ولا يقتصر الأمر على «العميل»، بل إن الأمر يتجاوز أحياناً إلى بعض عامة الخلطاء، حين تكون الوصية الإعراض عمَّا يكون في الحديث من خطأ رغبة في منح المتكلم «رضى ذاتي» حتى ولو كان هذا الحديث لا صلة له بالبيع والشراء أو الإقناع، والقبول، وهنا لا يظهر لي أين موقع «ذات السامع» حين يتضاءل هو ويوافق المتكلم على الخطأ الذي يقول، ويسمح له بأن ينشر بعض سفاهته أو حكايات قد يكون صنعها ليملأ المجلس بتفاهته، دون الاعتراض عليه خشية أن يتأثر «إحساسه بذاته»، وما أدري ما هي هذه «الذات» التي ستتأثر من «الاعتراض» على الحديث في مقام المسامرة التي تقوم فيما تقوم عليه على مبادلة الآراء وتجاذب أطراف الحديث، وأي «ذات» للسامع ستبقى بعد ذلك وهو محجوب عن بث خلجات نفسه فيما يسمع ويرى، إلا إذا كان المتكلم يقصد الكذب والتزييف، ويتظاهر بالغضب لئلا يعترض على ما يقول معترض!
ومع أن في هذا تناقضاً في «تطوير الذات»، لأنه يقوم على تقديم «ذات» وإهمال أخرى، فإنه ليس من المسلم به أن المتحدث يرغب في أن يسخر السامعون منه في سريرتهم، وهم يعلمون خطأ ما يقول عوض أن يحملوا كلامه محمل الجد، ويقابلوه بما في حديثه من خلل، أو ما يظنونه عما يقول؟!
وهذا ما يقودنا إلى النقطة الثانية وهي ما يسميه صاحب الكتاب ب»السبب الشخصي» وأسميه أنا ب»شخصنة» المواقف والأشياء، فالكاتب يرى أن «الشخصنة» تدعو إلى تحقيق المراد من الشخص، وذلك أن يربط ما يريده المتحدث برابط شخصي بالمخاطب يجعله يشعر بارتباط مصلحته الشخصية بهذا الأمر، ويرى أن هذا الأسلوب الأمثل للحصول على أعلى النتائج، والاستجابة المتميزة، دون أن يراعي أن هذه «الشخصنة» قد تتوافق فعلاً مع «تطوير الذات» (ذات المستمع)، بيد أنها تؤدي إلى غياب الموضوعية، وحس المسؤولية عند الشخص المخاطب؛ الموضوعية التي تساعد المسئول على اتخاذ القرار بتجرد ونزاهة كاملة، بعيداً عن شخصنة الأشياء أو المواقف، وتجعل عجلة الإدارة تدور بتلقائية، واطراد، بخلاف الشخصنة التي يصبح الشخص فيها هو المركز ويختلف ناتج العملية الإدارية بقربه أو بعده منه.
وحين يكون الذي يتحدث عن هذا الأسلوب أحد الكتب التي تزعم أنها «تطور الذات»، نتيجة الفكر الفرداني المتحرر، المتأثر بعصر الأنوار، والمتمرد على الطبقية الأرستقراطية بوجهها «الكلاسيكي»، ندرك تماماً أنه تمرد على طبقة ليحل مكانها طبقة أخرى (بناء على أن الشخصنة موجودة)، وليس لإحلال العدل والمساواة التي تسعى لإقرارهم الموضوعية العلمية، وهذا يعني بدوره أنه تطوير للذات منقوص، لأنه في الوقت الذي يؤدي إلى رفع مستوى الذات الفردية يؤدي إلى إجهاض الروح الجمعية بربطها بذات الشخصية المفردة، وتقلبات مزاجها، وأهوائها، وهو ما لا يؤدي إلى نتيجة واحدة مطردة ومضمونة العواقب.