علي الخزيم
هي حكاية تراثية قديمة تجري على الألسنة منذ عقود، وربما أنها حصلت في أكثر من بقعة على الكرة الأرضية؛ وأُرجِّح أن حصولها هنا بالمملكة كان قبل جهاد الملك المؤسس طيب الله ثراه وتوحيد المملكة، واستقرار الأوضاع بما فيها المعيشية، فقد حدث أن مَرَّ طفل مراهق على منزل بالقرية حيث من المعتاد آنذاك أن يلعب الأطفال بين المنازل المفتوحة؛ ورأى قدراً منصوباً على النار ورائحة الطعام تنبعث منه، وما أطيب الرائحة حينما يكون المرء جائعاً، الطفل دفعته غريزة الجوع وما تعانيه أسرته من فاقة لاختطاف القدر بغفلة أهل المنزل وبقية الأطفال؛ واندفع به إلى مأمن من العيون وبدأ بالتهام ما تيسر إلى أن أبصره بعضهم فأشركهم بالوليمة، غير أنهم بعد أن لعقوا قاع القدر وأصابعهم بادروا بكشف الحقيقة، فانتشر بين الملأ اسم (سارق القدر) والتصقت به بدلاً من اسمه الحقيقي، كَبُر وتزوج وأنجب وهو لا يزال سارق القدر ولم تنجح كل أفعاله الخيِّرة الطيبة وعلمه وإبداعه بمجال تخصصه بتغيير الصورة ليس عنه وحده بل عن أنجاله، لدرجة أنهم حين الخطبة لأحد أبنائه لم يجدوا بداً من تعريفه بأنه: (ابن سارق القدر)؛ فكانت الضحكات مدخلاً طيباً للموافقة ثم الزواج.
العرب قديماً قبل نور الإسلام وبعده لم تكن تأخذ أحداً بجريرة غيره، لا سيما إن كان صغيراً أو غير متعمداً لما فعل، فعندهم الحلول الأفضل كالدِّية والعِوَض وغيرها مما تتعارف عليه القبائل، ولا تنتشر مثل هذه السمعة غير المقبولة سوى بالمجتمعات الأقل تحضراً وثقافة وبين الأسر التي تُصر - جهلاً - على تكرار الأسماء وتناقلها بين أجيالها، فيلجأ القوم للتوضيح والتفريق بين المتشابهين اسماً بمثل هذه الألقاب واستذكار مواقف عفى عليها الزمن لتكون بديلاً يُمَيِّز هذا عن ذاك، وهو مخالف لما حثنا عليه ديننا الحنيف (اقرأ الآية الكريمة 11 الحجرات).
وعن القدر وسارقه ولصق الفعل الذي اضطر له بصغره؛ يمكن القول: إنها ثقافة قديمة تجاوزها الزمن ودرستها وداستها عوامل الحضارة والتقدم المُعاش، وكان بالإمكان تجاوز هذا الموقف الذي عدَّه المجتمع حينهاً بالسيئ، لا سيما أن الفاعل الجاهل آنذاك أصبح متميزاً أثبت قدرته ومهارته ليصل إلى مستويات عالية مرموقة بمجال تخصصه العلمي، وهذا ما يعني أن محدودي الإدراك يتمسكون بخطأ واحد مقابل مئات الإيجابيات التي يحققها أحد المحيطين بهم، والأغرب أنهم يجعلون من حادثة قديمة بسيطة عارضة ولها ظروفها الخاصة مَنْقَصة على الأسرة كلها ويَصِمونها بما لا يليق، مما يعد جريمة وإساءة اجتماعية يجب ردها ومحاسبة من يُصِر عليها وينبشها من تحت الرماد كلما خَبَت جذوتها، وبرأيي أنه لا يمكن أن يتقدم مجتمع وهذه السفاسف عالقة بعقله تتحكم بتوجهاته وتتصرف بوجدانه ومشاعره تجاه الغير، وكما تميل رياح أهوائه ورغباته ورضاه وسخطه عن الآخر، فهي مواقف من التعامل يجب أن تخضع كغيرها من العلاقات الاجتماعية للعدل والتواد والتصالح الإنساني، لنكون أمةً وسطاً كما أراد الله سبحانه لنا.