د. عبدالحق عزوزي
تشير التعريفات الجادة إلى أن التجارة الإلكترونية هي عملية بيع وشراء المنتجات بالوسائل الإلكترونية، مثل تطبيقات الهاتف المحمول والإنترنت. كما تشمل التجارة الإلكترونية كلاً من البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، وكذلك المعاملات الإلكترونية. وقد ازدادت شعبية التجارة الإلكترونية بشكل كبير على مدى العقود الماضية. وأظهرت لائحة، نشرتها المفوضية الأوروبية في بروكسل حول التجارة الإلكترونية للمستهلك الأوروبي، أن 61 في المائة من المستهلكين في أوروبا يشعرون بالثقة أكثر في منتجات يشترونها من بلدهم، بينما تصل النسبة إلى 38 في المائة فقط للتجارة عبر الحدود من بلد آخر في الاتحاد الأوروبي.
وأشارت المفوضية إلى أهمية السوق الرقمية الموحدة، وقالت إن انعدام الثقة، واستمرار القيود الإقليمية المفروضة، والتباين في الأسعار، كلها أمور تشكل حاجزًا أمام نجاح التجارة الإلكترونية عبر الحدود. وسبق أن أطلق وزراء 75 بلدًا في منظمة التجارة العالمية منذ أشهر في دافوس محادثات لتنظيم التجارة عبر الإنترنت بطريقة «أكثر قابلية للتنبؤ، وأكثر فاعلية وأمنًا»، وفق ما أعلن الاتحاد الأوروبي.
وشارك في إطلاق المبادرة وزراء من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين وغيرها. وأكدت المفوضة الأوروبية للتجارة أن «التجارة الإلكترونية باتت واقعًا في مناطق عديدة من العالم»، من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين. وتابعت: «لذلك بات من واجبنا أن نوفر لمواطنينا وشركاتنا بيئة تجارية، تكون أكثر قابلية للتنبؤ، وأكثر أمنًا وفاعلية».
وحذرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل من أن المعطيات الإلكترونية «ستصبح المادة الخام للقرن الواحد والعشرين». وتابعت: «إن لم ندرها فسنشهد تشكل مجموعات مناهضة للتكنولوجيا كما شهدنا في الماضي»، في إشارة إلى المنظمات المناهضة للثورة الصناعية في القرن التاسع عشر.
وكنت أنتظر أن تتطرق المستشارة الألمانية في هذا الجانب إلى خطورة القرصنة الإلكترونية، وهو شيء لم تفعله، خاصة ونحن نعلم أن بيانات شخصية لمئات المسؤولين السياسيين والشخصيات العامة، بينهم المستشارة أنغيلا ميركل، قد تم نشرها على الإنترنت إثر عملية قرصنة أو تسريب معلومات واسع النطاق.
وشملت التسريبات لوائح هاتفية، عليها مئات أرقام الهواتف النقالة والعناوين، وكذلك وثائق داخلية لأحزاب مثل لوائح الأعضاء.
وبحسب وسائل إعلام عدة، بينها شبكة «آر بي بي» العامة التي تحدثت عن عملية قرصنة، فإن التسريبات استهدفت أيضًا مشاهير وصحفيين.
وقالت وزارة الداخلية الألمانية إن كل الأحزاب السياسية الألمانية الكبرى، بينها «الحزب الديمقراطي المسيحي»، وصولاً إلى الخضر، شملتهم القضية، وبينهم أيضًا حزب اليمين المتطرف «البديل من أجل ألمانيا». وشملت التسريبات لوائح هاتفية، عليها مئات من أرقام الهواتف النقالة والعناوين، وكذلك وثائق داخلية لأحزاب مثل لوائح الأعضاء. المستشارة الألمانية تعي أن العالم الإلكتروني لا يمكن إيقاف عجلته، ولا تبني سياسة حمائية كلية ضده وإلا ضاعت مصالح الشركات والمؤسسات والأفراد والدولة بأسرها.
والمستشارة الألمانية بشهادة الجميع خبيرة استراتيجية بامتياز، ستفتقدها ألمانيا سنة 2021 عندما ستغادر كرسي السياسة؛ فهي تفهم أن أهم ما يجب أن يسعى إليه الخبراء الاستراتيجيون اليوم هو حماية مصالح البلدة، وتعزيزها داخل البيئة الاستراتيجية، عبر إيجاد تأثيرات متعددة المستويات والمراحل، وتطوير البنات التحتية والاختراعات الإلكترونية.
فالاستراتيجي يكون ناجحًا إذا فهم طبيعة البيئة الاستراتيجية، وبنى استراتيجية تتسق مع هذه البيئة؛ فلا يغفل طبيعتها، ولا يستسلم للأطراف الأخرى، أو للمصادفة.
وقد وُصفت طبيعة البيئة الاستراتيجية مرات عدة، ومن قِبل سلطات مختلفة.. ويشار إلى هذه البيئة في منشورات وثقافة المؤسسات الاستراتيجية باختصار مكون من أربعة أحرف (VUCA). وهذا يتضمن الوصف الآتي: «نظام عالمي حافل بتهديدات كثيرة ومثيرة للشكوك، والصراع متأصل فيه وغير قابل للتنبؤ. وفي هذا العالم تكون قدراتنا للدفاع عن مصالحنا الوطنية وتعزيزها مقيدة بقيود مرتبطة بحجم الموارد المادية والبشرية. وباختصار، هذه البيئة تتسم بالتقلب، والتوجس، والتعقيد، والغموض (VUCA)».
ودور الاستراتيجي هنا هو ممارسة النفوذ للسيطرة على التقلب، وإدارة الهواجس، وتبسيط التعقيدات، وكشف الغموض.. ونفهم جليًّا مجاراة مفوضة التجارة في الاتحاد الأوروبي سيسيليا مالستروم لكلام ميركل على هامش منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس؛ إذ دعا قادة الدول إلى صد الحمائية التي تتبناها واشنطن.
المهم، فهذا الإعلان هو حدث «تاريخي» في ظل الحرب التجارية بين بكين وواشنطن وسط تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتكررة تحت شعار «أمريكا أولاً»، ومهاجمته منظمة التجارة العالمية بسبب تجاهلها المصالح التجارية الأمريكية لصالح الصين.