سمر المقرن
ليس بالمنطق أن نسمي المتاجر بدماء ابنه المقتول «متنازل» بعد أن أخذ قيمة موته بالملايين، هو مُتاجر في عملية بيع وشراء وتحديد سعر يرضيه في بيع بضاعته، ولا أدري أين تكون المتعة في هذه المبالغ المليونية؟ وكيف سيتمتع في صرفها من دماء ابنه أو قريبه المقتول؟
من هنا أصبحنا بين الفينة والأخرى نسمع عن هذا النوع من التجارة، وفي اعتقادي أن الخلاص من ظاهرة التجارة بالدم من المهم أن نعود فيها إلى البداية، وليس من محاولة إيقاف تجار الدم فقط، لأنها تجارة لن تتوقف طالما هناك سوق رائجة لهذا النوع من البضاعة، والحل في اعتقادي يبدأ من المحكمة وإعادة تشكيل الأحكام بالإعدام فلا يستوي القاتل الذي كان يدافع عن نفسه مثلاً أو القاتل الضحية الذي قد يكون في موقف أجبره على الجريمة، بالقاتل مع سبق الإصرار والترصد، فالنوع الأول لا يجب أن يتساوى مع النوع الثاني، ومن هنا أتوقع سوف تتغير عملية المتاجرة بالدماء رغماً عن أصحابها، لأن القاتل مع سبق الإصرار والترصد لا ينبغي أن تكون له شفاعة، على عكس القاتل الضحية. ما زلت أتذكر عدة قضايا تابعتها لهذا النوع من الجرائم، وأنا هنا لا أبرر للجريمة، لعلي إذن في هذا الوارد أتذكر قصة ذلك الفتى المصاب بإعاقة في قدمه والذي حاول أحدهم اغتصابه فقتله، فهل مثل هذا يتساوى مع مجرم قام بالتخطيط والتنفيذ لجريمته؟
لو تغيرت الرؤيا تجاه الحيثيات من ناحية الحكم أتوقع سوف تتقلص كثيراً ظاهرة المتاجرة بالدماء، ولا أقول إنها ستتوقف لأنه من الصعب إيقافها إنما على الأقل محاصرتها في أضيق الحدود!
تحتشد ذاكرتي كلما تابعت قصة متاجرة بالدماء، بتلك المرأة وهي من أقربائي عندما قام أحدهم بدهس طفلها في الشارع فرفضت أن تأخذ ريالاً واحداً عن دم ابنها وتنازلت عن قاتله وأخرجته من الحبس، على الرغم من أن ظروفها المادية صعبة ومن دهس ابنها من أسرة ثرية، كانت فرصة كبيرة أمامها لتحصل على مبلغ يساعدها في الحياة، لكنها قالت لا يوجد مبلغ في هذا العالم يساوي حرماني من ابني، وحتى عندما أشار عليها بعض الأقارب أن تأخذ مبلغاً وتجعله وقف خيري لابنها رفضت وقالت إن أغناني الله فسوف أفعلها من جيبي.
بصدق، أن الغنى هو غنى النفس، وأن النفس الجشعة هي التي تفرح بالمال الحزين، والنفس الغنية لا تنتظر ما يغنيها من دم أحب الناس إليها!