أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبوعبدالرحمن: عندما أراد (عنترة بن شدّاد) في العصر الجاهليّ أن يتغنّى بالبلاد العربية: لم تسعفه المفردات اللغويّة؛ فقال:
شربت بماء الدّحرضين فأصبحت
(م) زوراء تنفر عن حياض الدّيلم
وكان تاريخ العرب في بدايتهم هو تاريخ جزيرة العرب؛ فهي جزيرة مضافة إليهم؛ وهي الرّحم الخصيبة لأمم الحضارات التاريخية في الأقاليم العامرة؛ وتاريخ الجزيرة يعتمد (كما قال نقولا زيادة علي) على المصادر العربية التاريخية والأدبية؛ وما كتبه جغرافيّو اليونان والرومان؛ ومؤرخوهم مثل: (هيرودوتس)، و(سترابو)، و(بلن)، وما تسرّب من الأساطير والقصص والآثار.
قال أبو عبدالرحمن: ومن المصادر كتب أهل الكتاب (العهد القديم، والعهد الجديد)، والنقوش الظاهرة.. ومن مؤرخي القرن الثاني قبل الميلاد مثل (أريان) الذي دوّن أخبار (الإسكندر الكبير) نقلاً عن مدونات تاريخية من بينها جريدة أخبار دوّن بها تفاصيل حملات (الإسكندر) ومغامراته، والعرب ذوو علاقة بهذا التاريخ؛ وكان (الإسكندر) في القرن الرابع قبل الميلاد.. وذكر (الشريف الإدريسي) في كتابه (نزهوة المشتاق في اختراق الآفاق) المطبوع في عالم الكتب ببيروت الأقاليم العامرة؛ فقال: (وهذا الرّبع المسكون من الأرض قسّمته العلماء إلى سبعة أقاليم، كل إقليم منها مارّ من المغرب إلى المشرق على خط الاستواء، وليست هذه الأقاليم بخطوط طبيعية؛ ولكنها وهمية محدودة موجودة بالعلم النّجوميّ، وفي كل إقليم منها عدد من المدن وحصون، وقرى، وأمم لا يشبه بعضهم بعضًا.. وأيضًا فإن في كل إقليم منها كان جبالاً شامخة، ووهادًا متصلة، وعيونًا وأنهارًا جارية، وبركًا راكدة، ومعادن ونباتات وحيوانات مختلفة..))، والجزيرة العربية لديه تقع في الإقليم الخامس.. انظر كتاب (صورة الأرض) لـ (ابن حوقل)/ منشورات دار مكتبة الحياة ببيروت 1979م ص27 - 47، وكتاب (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم) لـ (شمس الدين أبي عبدالله محمد المقدسي)، دار صادر ببيروت مصورة عن طبعة ليدن 1906م ص113.. وقال أبو الفداء في كتابه (تقويم البلدان) طبعة مصورة عن طبعة (زينو وديسلان) باريس 1840م ص7: ((اعلم أنّ معظم العمارة يقع بين ما يجاوز عشر درجات في العرض إلى حدود الخمسين؛ فقسّمها أهل الصناعة بالأقاليم السبعة؛ ليكون كل إقليم تحت مدار تتشابه أحوال البقاع التي فيه، وكل إقليم منها يمتد ما بين الخافقين طولاً، ويكون عرضه قدرًا قليلاً)).
قال أبو عبدالرحمن: وأمّا (هيرودوتس 425 - 484 قبل الميلاد)؛ وهو مؤرخ ورحّالة يوناني لقّب بـ (أبو التاريخ)، وزار العالم المعروف يومئذ ولا سيما العراق، وفينيقيا، ومصر؛ وله تاريخ هو من أهم المراجع في ملتقى حضارتـي الإغريق الفرس؛ وأمّا (سترابون)؛ فهو جغرافيّ يونانيّ، ولد في (آماسيا) في آسيا الوسطى نحو عام 58 م، وتوفي عام 21، أو 25م؛ وهو مؤلف كتاب قيّم عنوانه جغرافيا يتّخذ طابعًا تاريخيًا واضعًا، ويهتم بإظهار العلاقات بين الإِنسان والشعوب والإمبراطوريات وبين البيئة الطبيعة؛ وأمّا (بلن)، القديم، أو الطبيعي: فهو كاتب روماني ولد في سنة 23م، ومات سنة 79م، وصل إلينا من كتبه الكثيرة تاريخه الطبيعي؛ وأمّا (أريانوس فلافيوس): فهو مؤرخ وفيلسوف يوناني القرن الثاني قبل الميلاد له الأناباز؛ وهو وصف لحملة (الإسكندر).
قال أبو عبدالرحمن: خصب الرحم الذي أشرت إليه آنفًا: يـمثّل في التدفق الذي ذكره (نقولا زيادة) بقوله: (الساميون مواطنهم الأصلي في رأي الأغلبية من الباحثين جزيرة العرب، وقد خرجوا منها شعوبًا وقبائل هي هجرات متعاقبة موجات متتالية، واستقروا في الأراضي الخصبة المجاورة لها في أرض الرافدين وبلاد الشام، وكانت هذه الهجرات والموجات قديمة العهد، ترجع أولاها من حيث معرفتنا التاريخية إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وقد تكون ثمة موجات سامية أخرى تركت صدى غير واضح فضلاً عن تلك التي تعرّفنا إليها بشكل واضح.
قال أبو عبدالرحمن: هذه العجالة إنما هي لمحة عن العروبة بمفهوم لغويّ، ولاستيفاء ذلك ستتوالى عدد من الحلقات عن هذه الظاهرة بعناوين أخرى عن العرب الذين هم ذريّة عدنان وقحطان صليبة؛ وليس هو عن العروبة بمفهوم لغوي؛ لأنّ مجال ذلك في كتابي الآخر عن (العقل التاريخيّ)؛ وإنما الذي يهمّ ذكره فهو لمحة عن أدبيات اللغة المشتركة، وأقدم تلك الآداب الأدب السومري في أرض الرافدين؛ فهم يعدونه أول الآداب السامية التي وصلت إلينا؛ وإلى لقاء في السبت المقبل إن شاء الله تعالى، والله المستعان.