عطية محمد عطية عقيلان
اهتم علماء الاجتماع وعلماء النفس والترببية في دراسة ظاهرة (العدوى الاجتماعية) مع تحليلها وكيفية تأثيرها في المجتمعات والأفراد، وتنبهت كثير من الدول والشركات إلى أهمية دراسة هذه الظاهرة لتأثيرها في انتشار سلوك أو نمط اجتماعي بين أفراد المجتمع من أجل استغلاله لترويج سياحة أو منتجاتهم وبضائعهم، وأدى فهمها أو إيجادها (الظاهرة الاجتماعية) إلى تحقيق مكاسب معنوية وعوائد مالية من خلال (العدوى الاجتماعية) سواء بوعي الأفراد (أحياناً) وفي كثير من الأحيان بدون وعي متبعين المحيطين بهم أو مقلدين لنجوم وشعوب أخرى.. علماً أن كلمة العدوى مخيفة لأنها مرتبطة بنقل الأمراض المعدية (كالإنفلونزا والجدري)، فنحرص على تجنب الأشخاص المصابين بأمراض معدية وعدم استخدام أدواتهم، بل أصبحت هناك شركات متخصصة في مكافحة العدوى في المستشفيات والأماكن العامة، وأقسام في الجامعات تعلم وتخرج متخصصين في دراسة ومكافحة العدوى.. إلا أن العدوى الاجتماعية قد تكون أكثر تأثيراً أو فتكاً من العدوى الفيروسية (التي في الأغلب يمكن السيطرة عليها وعلاجها) فالعدوى الاجتماعية عندما تبدأ بالانتشار في المجتمعات يصعب السيطرة أو التحكم بها وتحتاج إلى جهود جبارة إضافة إلى وقت لكي تستطيع معالجة آثارها أو تعديلها، فنلاحظ انتشار الكثير من العادات والسلوكيات منها:
- ذوق الناس في الموسيقى أو انتشار أغنية معينة (كانتشار الشيلات بين الشباب) أو رقصة كيكي على مستوى العالم.
- السفر إلى بلدان أو جزر معينة أو مهرجانات.
- انتشار موضة الملابس بين الشعوب؛ فمثال الملابس المهترئة أو الممزقة وكيف تحولت إلى موضة.
- تقليعات قصات الشعر بين الشباب تقليداً للمشاهير واللاعبين.
- تدخين الشيشة أو السجائر الإلكترونية.
- انتشار مطاعم المأكولات السريعة أو البيتزا أو المقاهي.
لذا نأمل أن تهتم مراكز الدراسات الجامعية ومعاهد البحوث بتوفير باحثين لدراسة الظواهر الاجتماعية.. مع رصدها والتصدي للظواهر السلبية والتحفيز على الاستفادة من الإيجابية التي تقوى القيم والعمل في المجتمع مع وضع آليات علمية وبحثية لتحقيق ذلك، واستثمار كافة أماكن التجمعات كالبيوت والمساجد والمدارس مع الاستفادة من كافة وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لتعزيز الظواهر الاجتماعية الإيجابية فهل نشهد مثلاً:
- إشاعة ثقافة النظافة في الأماكن العامة، التعامل الحسن في الطريق والالتزام بالأنظمة والقوانين.
- نشر مفاهيم التسامح والتغافل والعطاء وإعطاء الحقوق والانتماء بين أفراد المجتمع.
الخلاصة: إنه في حياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية لا بد أن نصاب بالعدوى، لذا لنحرص أن تكون عدوى حميدة تزودنا بالتفاؤل والأمل والتسامح وتحفزنا على القراءة والرياضة والاستفادة من أوقاتنا، ولتكن علاقاتنا إيجابية وأن نكون كحاملي المسك على الأقل وأن نجتهد ونبدأ بأنفسنا ونتمرن على الدعم والإيجابية والتفاؤل والتسامح حتى تتحول إلى عادة سلوكية وننشر عبير عطرنا أينما حللنا. فعن أَبي موسى الأَشعَرِيِّ أَن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً، ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً متفقٌ عَلَيه).. لذا من الأوجب والأسلم البعد عن كل من يصيبك بعدوى الفشل والتشاؤم أو حتى بمجالسة من تشعر بالضيق منه واحرص أن تختار المحيطين بك أو المتواصلين معك بعناية لأنهم يؤثرون بك دون أن تشعر وقيل قديماً: (قل لي.. من تصاحب أقول لك من أنت).