بريدة - خاص بـ«الجزيرة»:
طالب المحامي والمستشار الشرعي فضيلة الشيخ رضوان بن عبدالكريم المشيقح بأهمية توعية الناس عبر المنابر ووسائل التواصل والإعلام، ليس بأهمية الوصايا والأوقاف فحسب التي كثرت مشكلاتها وتفاقمت؛ إذ اشتدت الخصومات بين الناس، وارتفعت الدعاوى في المحاكم، بل الأهمية بمكان بيان أحكامها الشرعية والنظامية، وبيان المسار الصحيح حين إنشائها وحين صرفها والنظارة عليها، وأثر ذلك على الميت (الموقِف أو الموصِي) والجهات الموصَى لها.
وأوضح الشيخ رضوان المشيقح أنه كلما بعد الزمن عن عصر النبوة وخير القرون، وضعف نور الرسالة، نشب الخلاف وتشعب الشقاق وكثرت النزاعات حتى اتسع الرقع على الراقع، فضلاً عن اختلاف النفسيات، وتفاوت الناس في الطبائع والميول، وتفاضلهم في الأفهام والعقول، ما بين هين ولين، وما بين قاس غليظ، وما بين هذا وذاك، فضلاً عن الحسد وسوء الظن بالآخرين وإيثار الهوى على الهدى، وحب الصدارة وشهوة الزعامة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، وأن العمل الذي لم يعمله أو لم يشرف عليه فإن مصيره إلى الفشل، ونهايته الخسران، وحينئذ تختلط هذه الأمور، صحيحها مع عليلها، ويقع الخلاف.. والضحية هي الأوقاف وثمرتها، والجهات التي تصرف إليها.
وشدَّد المحامي والمستشار الشرعي رضوان المشيقح على أنه ينبغي على المسلم إذا أراد أن يوقف عقارًا أو غيره أن يسلك المنهج الصحيح الموافق للكتاب والسنة لأجل أن ينال حظًّا من توفيق الله تعالى، والثواب الجسيم، واجتماع ورثته على كلمة ورأي واحد بعيدًا عن الشحناء، وبعيدًا عن التنازعات لأتفه الأسباب؛ إذ يلاحَظ أن كثيرًا من هذه الأوقاف في بلادنا، خاصة في نجد، يكون لهذا الرجل عقار كبير في عينه، ويعز عليه أن يبيعه الورثة بعد موته؛ فيقوم بحبس هذا العقار ووقفه من أجل أن يحرم ورثته من بيع هذا العقار، ولئلا يفتقروا بعده، أو يريد أن زوجته لا ترث من هذه المزرعة أو الدار لئلا تتزوج من بعده، أو يزيد بعض أولاده على بعض فرارًا من وصية الله بالعدل، أو يحرم أولاد ونسل البنات؛ فيعمد حينئذ إلى وقف هذه العقارات وحبسها، ويجعل النظارة والمنفعة والأكل من هذا الوقف للمحتاج من هؤلاء الأبناء وأبنائهم الذكور ما تناسلوا... إلخ؛ لذا لا نجد في هذه الأوقاف بركة، وإنما صارت سببًا للشحناء، وقطيعة الرحم والمطالبات في المحاكم؛ فبأي شرع يأكل الأبناء وأبناؤهم دون أولاد البنات؟ مع أنهم في الحاجة سواء؟! فكيف تحل لهم الوصية والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول في الحديث الصحيح: (لا وصيه لوارث)؟! وهذا هو ما حذر منه شيخ الإسلام/ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - في رسائله المطبوعة؛ إذ قال في الرد على أمثال هؤلاء في رسالته الثانية عشرة إنها «البدعة الملعونة»، وإن هذا هو «وقف الجنف والإثم».. إلى آخر ما ذكره من الأدلة في عدم مشروعية مثل تلك الأوقاف، والرد على بطلان التقرب إلى الله بمثل ذلك.
واستطرد الشيخ المشيقح بالقول: إن الأوصياء على هذا الوقف يقتسمون الوقف بينهم كأنه قسمة ميراث! ثم إن هؤلاء النظراء على الوقف إن كان هذا الوقف ذا غلة وخير كثير تنافس الورثة على النظارة عليه، وبدت عليهم الشحناء والمطالبات، وكلٌّ يدعي أنه أهل وذو رأي سديد لهذا الوقف، ولو كان الوقف للجد الخامس، أو كان الوقف خارج البلاد، بخلاف إذا لو كان الوقف لا يساوي إلا القليل القليل فإن الورثة، وكذا النظراء عليه، كل واحد منهم يدعي انشغالاً بأعماله وأسرته واحتياطًا لدينه، ويرى أن المصلحة هي التخلي عن هذا الوقف ونظارته؛ ليتولاه من هو أفضل منه متعللا ببراءة الذمة!
فالمسألة أولاً وأخيرًا، ولأجل تجنيب الورثة والأقارب هذه النزاعات، تعود على الموقِف نفسه صاحب الشأن؛ فعليه أن يتقي الله، وأن يخرج وصيته أو وقفه أثناء حياته، ويشرف عليه ما دام على قيد الحياة، وهذا هو الأفضل. ثانيًا عليه أن يوقف على الصفات وليس على الأشخاص، كأن يوقف بئر ماء، أو مشفى لمرضى المسلمين، أو دارًا لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم؛ فحينئذ إن كان من ورثته ممن يتصف بهذه الصفات أو أحدها فسيشملهم الوقف بذلك، وهذا هو الأسلم والأبعد عن المنازعات، والموافق لشرع الله. فكم نرى من ورثة فقراء يأخذون من زكوات وأوقاف غيرهم، ولهم أوقاف لم تصرف غلتها حتى الآن بسبب هذه المنازعات، فلا الميت استفاد من الأجر والثواب، ولا الجهات الموصَى لها استفادت من هذه الأوقاف!