رمضان جريدي العنزي
تذكر يا صديقي بأنني قد قلت لك: بأنك عندما تتعثر لأدنى سبب أو تنكسر ستفقد الضوء والبريق والتصفيق وقصائد المديح والمهرجان والرقص والزينة وحشود النفعيين وسيفر منك الذين أحاطوك بالنفاق والبهت والدجل، وأنت الذي قد منحتهم البشت والعطر والذهب، تذكر يا صديقي بأنني قد قلت لك: بأنهم سيسلقونك بألسنة حداد، وسيرمونك بالتهم، وسيقولون فيك الذي ليس فيك والذي لا يقال، تذكر يا صديقي بأنني قد قلت لك: بأن النفعيين الوصوليين لا مبدأ لهم ولا عهد ولا وعد ولا دعة ولا يوجد في جانبهم اطمئنان، وبأنهم مجرد جوقة فاشلة يتبارون كذباً، ويتنافسون زوراً من أجل بريق المال الذي عندك، تذكر يا صديقي بأنني قد قلت لك: بأن الفقير واليتيم والمسكين والمحتاج والمريض والأرملة أولى بمالك من هؤلاء الجشعين المرتزقة الذين يلتفون حولك ويجولون في شعابك وينامون بين ضفتيك، مثل ثعالب جائعة، أو ضباع ناهمة، أو قرود مشاغبة، أو أخرى مخادعة، تذكر بأنني فد قلت لك: بأن قصائد المديح التي تقال فيك ليست حقيقية فيك، بل مزيفة وكاذبة وفيها بهت وزور كبير، وبأن الذين قد قالوها لا يريدون وجهك، ولا يبتغون شخصك، لا يحترمونك ولا يقدرون وزنك، بقدر ما يريدون مالك، ثم مالك، ثم مالك، تذكر يا صديقي بأنني قد قلت لك: لا تطنب للمديح ولا للنشيد، ولا تطرب للشيلة ولا للصفير، ولا تزهو بالتصفيق، ولا تنتشي أو تأخذك كلمات الإشادة والإطراء إلى فضاءات نائية وبعيدة لا تحسن فيها الدلالة ولا المسير، تذكر يا صديقي بأنني قد قلت لك: بأن أشعب لم يمت، وبأن جحا لم يمت، وبأن الطفيلي لم يمت، وبأن هؤلاء الذين يجولون حولك نهماً وطمعاً هم أبناء أولئك أحفاده وأبناء عمومته، تذكر بأنني قد قلت لك بأن عمر الإنسان مهما طال فهو قصير، وبأن الحياة الدنيا زائلة، ومتاعها وإن كثر غير بهيج، وربيعها وإن زان وطالت مدته سيصبه الانكسار والذبول، وسيعقبه القحط والتصحر والجفاف، وبأن الجسد الأنيق سيموت، سيدفن في التراب، سيبلى سيأكله الدود ويسكنه العفن، تذكر بأني قد قلت لك: بأن عمود الإنارة الضعيف واهن لا يعطي الإنارة الكافية ولا الوضوح، وبأن النبت الرقيق لا يقاوم، ولا يعيش طويلا، ولا يفيد، وبأن الضباب الكثيف يعتم العين، ويحجب الرؤية والطريق، وبأن صعود الجبال يحتاج لياقة، والمسير الطويل ليلاً يحتاج مصباحا ودليل، تذكر يا صديقي بأنني قد قلت لك: بأن مصاحبة الثعالب فيها توجس ومخادعة، وليس فيهمردود ولا فائدة، مثلها مثل الأفاعي ملمسها ناعم، لكن في جوفها السم الزعاف، تذكر بأني قد قلت لك: ما كل حكاية حكاية جلية، ولا كل نشيد نشيد جميل، ولا كل عزف عزف منفرد، ولا كل كلام منمق صحيح، ولا كل صديق صديق، ولا كل قريب قريب، وبأن البعيد الغريب قد تكون مواقفه جليلة ومعدنه من ذهب، ولا كل حسناء تسلب اللب، وتأخذ من العين الوسن، ولا كل بستان أشجاره تزدهي بالثمر، ولا كل ماء يشرب، ولا كل طعام يؤكل، ولا كل طائر جميل، ولا كل حقل ينتج سنابل، تذكر يا صديقي بأنني قد قلت لك: اجعل لك معيار تقيس فيه الرجال، لتميز بين الصديق والدخيل، ولتدرك بوعي بأن الحمائم غير الصقور، وأن الابتسامات العريضة تخفي وراءها في كثير من الأحيان أحقاداً دفينة، وأن هناك من يتجاوز الحدود غطرسة وانتفاخ وغرور، ولن تهنأ إذا استسلمت للجشعين الغارقين في الطمع إلى آذانهم، تذكر يا صديقي بأني قد قلت لك كل هذا الكلام خوفاً عليك من أن تتعثر، أو تنكسر، أو تصاب بالرمد، أو يعتريك السقم والوهن، وخوفاً عليك أن تقع فريسة الخداع مرة إثر مرة، وحتى لا تنكسر على رأسك الجرة، فلا شيء أنفع لك يا صديقي من الله، الذي أغدق عليك النعم، وأمدك بالصحة والقوة، فلا تسود صحيفتك معه بالمروق والعصيان، ومصاحبة المرتزقة والنفعيين وأصحاب البهت والغربان، ابحث يا صديقي عن المتعففين في دهاليز الظلمة، الذين مستهم الفاقة، ولديهم حاجة، وعندهم اعتلال، عندها ستعيش سعيداً هانئاً، فرحاً مرحاً، في رحاب طاعة الرحمن.