د. فوزية البكر
عام 2014 صدر كتاب الباحثة الفرنسية اميلي لورنار (النساء والفضاءات العامة في المملكة العربية السعودية) وهو بحثها للدكتوراه الذي بدأته عام 2005 واستمر حتى عام 2009 وتمحور حول أسئلة جديدة في مجال البحث الاجتماعي حيث حاولت الباحثة الكشف عن محركات السلوك بين النساء السعوديات في الفضاءات العامة والتي قصدت بها كما ذكرت في كتابها المترجم للعربية:
(هو فضاء ينتمي إلى الدولة أو الجماعات العامة وهو قد يعني في الدراسات الاجتماعية فضاء نقاش وتبادل ونزاع ووجهات نظر مثل المقاهي والصحف والمراكز التجارية والحدائق العامة أي بين أناس لا يعرفون بعضهم لكنهم يتفاعلون مع بعض فينظرون إلى بعض أو قد لا ينظرون وقد يتجنب بعضهم بعضا وقد يتجاهل بعضهم بعضا وكلها أمور قد تعود إلى الآداب العامة التي تعتبر الشكل الأول للتحضر بمعنى أنها تسمح بوجود مشترك غير تصارعي لكن نوع وحجم التفاعلات في فضاء ما قد يجعله أكثر أو أقل عمومية. حين تنتقل الشابات المدينيات من الفضاء المنزلي إلى فضاءات أكثر عمومية لم تكن متاحة لهن قبل عشرين سنة يتبنين أنماط حياة هي أولا أساليب أي طرق في التفاوض حول صورة عن الذات في العلن وفي الفضاءات النسائية التي لا يضعن فيها النقاب فإنهن يواجهن نظرات الجميع للجميع وبالتالي يواجهن التزامات جديدة من حيث الظهور والسلوك وتقديم الذات للمجتمع والتقليد والمنافسة والتميز بالشكل أو الماركة).
السؤال الذي أطرحه هنا هو: ما أنماط الظهور والسلوك والتفاعلات والتفاوضات التي تتبناها النساء السعوديات بعد التغيرات الكبيرة التي أحدثتها رؤية 2030 من حيث نسبة مشاركتهن في الفضاء العام سواء كان في الوظيفة المختلطة أو المقاهي والمطاعم أو الأسواق التجارية أو الفعاليات الثقافية والفنية وحتى في الشارع حيث تتحرك المرأة منفردة بعد السماح لها بقيادة السيارة إلى ذلك من أنماط السلوك والحوار والتفاوضات والشكل الخارجي إلخ خاصة بعد غياب جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من هذه الفضاءات العامة التي كانت مقيدة بقوانين ذلك الجهاز الذي تميز بالتشدد والغوغائية والتصرف في عديد من الحالات حسب الأهواء الشخصية لموظف جهاز الهيئة في لحظة وجوده في موقع ما وطريقة تفكيره وتربيته وخلفيته العلمية والاجتماعية مما أثار رعب العامة وجعل المرأة تتصرف بتفاوضات محددة تجنبها التماس مع ذلك الجهاز المرعب.
بعد اختفاء هذا التهديد من الفضاء العام ليس فقط للمرأة بل للأسرة والطفل والشاب: كيف تتصرف المرأة السعودية في فضاءاتها الجديدة التي تتحكم هي إلى حد كبير فيها فتقود بحرية وتحضر المناسبات وتشتغل في القطاعات المختلطة؟ فكيف تتصرف؟ كيف تتعامل مع الرجل؟ كي تتعامل مع تحديات النظرة الاجتماعية التى لا تزال بعضها أو الكثير منها لا يوافق على هذه التغيرات؟
طبعا مثل هذه الأسئلة على بساطتها إلا أنها أسئلة بحثية على درجة عالية من التعقيد ويتضح ذلك مما استخدمته باحثتنا الفرنسية من أطر نظرية واقتصادية لشرح تحولات السلوك في أجواء المدينة الجديدة وهو ما يمكن دراسته أيضا اليوم بشكل معمق عبر بحوث مركزة في الجامعات لكني هنا فقط أود طرح تساءلات تحتاج إلى إجابة من السيدات أنفسهن ومن الرجال ممن يشاركونهم هذا الفضاء العام:
كيف تتصرف المرأة السعودية مع موضوع الاختلاط الجديد؟ هذه المرأة التي كانت متوارية خلف تعقيدات علاقة الرجل بالمرأة في مجتمعنا السعودي الذي كاد يختنق بالممنوعات المفتعلة وها هي المرأة السعودية الجديدة تتواجد في عصر الرؤية والتمكين ويتم التعامل معها لا بصفتها الجندرية بل كمواطن وإنسان بخصائصها الإنسانية والمهنية والشخصية المستقلة فكيف تشعر؟ وكيف تتصرف؟ وكيف ينظر زميلها الشاب إليها وما تأثير مخلفات عصور التغييب والتنقيص من قيمة المرأة على موقفه في العمل والشارع والمكان العام المشترك في فعالية أو حفلة؟
ما علاقات السلطة بين المرأة والرجل اليوم: في أماكن العمل وهو مايستحق بحثاً مستقلاً من حيث احتمالية ظهور صراعات سلطة تأتي من خلال محاولة الرؤية تمكين المرأة في القطاعات المختلفة المتشربة لثقافة ممانعة تاريخية وتقليدية لاحتلال المرأة مناصب قيادية واتخاذها قرارات بشأن الذكور ممن يقعون في حدود سلطاتها المهنية؟
ما علاقة المرأة بالحجاب في الفضاءات العامة بعد أن تطورت أشكاله وقدمت تفسيرات جديدة لمفهوم الحشمة؟ كثيرة هي الأسئلة التي تستحق التأمل في فضائنا العام الجديد.
ملاحظة: أعتذر من القراء الكرام عن نشر مقالة أخرى حول الدراسات العليا والتي أرى أن من الأنسب نشرها في مواقع أكثر تخصصا مثل مجلة آفاق التي يشرف عليها القسم النسائي بكلية التربية بجامعة الملك سعود والتابعة للجمعية السعودية للعلوم النفسية والتربوية. ستجدونها هناك بإذن الله.