فهد بن جليد
التكاتف الاجتماعي الذي عشناه (اليومين الماضيين) للبحث عن (مفقودة حي لبن) هو عمل اجتماعي شعبي مُشرِّف، وصورة ناصعة البياض تعكس طيبة المجتمع السعودي، ومدى تماسك أفراده، وتعاضدهم، ووقوفهم بجانب بعضهم البعض، الأمر الذي يُخيِّب آمال وطموحات من يتربص بنا وببلادنا، لأنَّ المواطن هنا أثبت بالفعل أنَّه رجل الأمن الأول، فنشاط المتطوّعين وتحرّكهم لمساندة الأسرة والقيام بواجب أخلاقي واجتماعي ووطني لمساندة جهود رجال الأمن للبحث عن المفقودة كان بمثابة الوسام الذي يفخر به كل مواطن لانتمائه لهذا الوطن وهذا المجتمع المُتماسك، كاختبار عملي أكَّد نخوة وشهامة شباب الوطن، وأنَّهم رجال مواقف حقيقية في التطوّع والنجدة والمُشاركة المُجتمعية، في الوقت الذي تسعى فيه بلادنا إلى تعزيز ثقافة التطوّع كأحد أهداف رؤية المملكة 2030 .
هذا الحضور الجميل من كافة أطياف المجتمع وشرائحه (صورة) لا يجب أن تُغادر أذهاننا بمجرَّد العثور على المفقودة وعودتها إلى أهلها سالمة - بحمد الله وتوفيقه- ثم بجهود رجال الأمن الذين يقومون بدورهم بكل قدرة ومهنية وكفاءة، بل علينا تشجيع مثل هذا العمل التطوعي وتنظيمه أكثر، والاستفادة من هكذا تجربة في طريق تطوير العمل الاجتماعي داخل الأحياء السكنية، فالمواطن في حيِّه ومنطقته ومدينته هو (عين الأمن) التي تُساند رجال الأمن في مهامهم وواجباتهم وتكشف لهم عن كل ما يجعلهم يؤدون دورهم الأمني، ومثل هذه التجارِّب معمول بها في أمريكا وأوروبا، ولعلَّ بعض المتطوّعين طبّقوا تجربتهم في التطوّع بدول الابتعاث، وفي ذاكرتنا الوطنية هناك صورة الحارة القديمة المُتكاتفة بدور (المطوَّع، والعسَّة، والعمدة، والجيران) والتي علينا المُحافظة عليها في المدنية الحديثة.
انتهت حادثة الفتاة بخير، وبقيت مقاطع المتطوّعين وسناباتهم أثناء تمشيط الحي التي أعتبرها بمثابة (أشعة إكس السينية) لأنَّها أعطت صورة أكثر وضوحاً وعن قرب لحي (لبن)، لتكشف لنا الكثير عن خباياه وأسراره والأخطار التي تحيط به كأحد الأحياء الرئيسة غرب الرياض، وكيف يعجُّ بأعداد كبيرة من العمالة بحكم النهضة العمرانية التي يعيشها مع تشييد الكثير من المباني السكنية والتجارية، إضافة لعدد الأحواش والسيارات المُتهالكة والمباني المهجورة تحت الإنشاء والأودية التي قد تُستغل من ضعاف النفوس، ما يتطلب تحركاً جدياً وسريعاً من البلدية والجهات المعنية للتعامل مع تلك المواقع والسيارات التالفة بما يجب، كمُكافأة لأبناء وشباب هذا الحي ومن ساندهم من المتطوّعين الآخرين، وكأنَّنا نقول لهم شكراً (جهودكم مُقدَّرة) وتم التعامل مع كل ما كشفته (عدسات هواتفكم).
وعلى دروب الخير نلتقي.