محمد سليمان العنقري
عقدت قبل أيام القمة العربية الدورية في تونس وإن كانت أجندتها سياسية بامتياز لكن الشق الاقتصادي غاب عن الاهتمام عامةً، بل وحتى في القمة العربية الاقتصادية التي عقدت بلبنان قبل عدة أشهر كانت بمخرجات محدودة رغم أنها مخصصة لمعالجة ملفات الاقتصاد العربي الشائكة، فالدول العربية أغلبها تعاني من ضعف اقتصادها منذ عقود وإذا كانت دول الخليج استثناء في عالمنا العربي بفضل استثمارها لعوائد النفط والغاز بنسب أعلى من دول عربية تمتلك ثروات مماثلة إلا أن هذه الدول مثل ليبيا والجزائر لم تستثمرها بما ينعكس على اقتصادها وتنميتها وكذلك العراق الذي بدد ثرواته سابقاً بمرحلة صدام حسين بالحروب وبعد سقوط نظامه أصبح بحالة من الضياع والفوضى منذ الغزو الأمريكي له عام 2003 م .
فرغم كم المشاريع الإصلاحية التي أطلقت بالعالم العربي إلا أن نسب نجاحها كانت محدودة واستمرت معدلات البطالة مرتفعة واتبعت سياسات التجريب الاقتصادي دون التركيز على إستراتيجيات تناسب اقتصاد كل دولة وباستثناء دول الخليج شهدت أغلب الدول العربية تراجعاً في جودة بنيتها التحتية وتأخراً كبيراً في انفتاح اقتصادياتها وضعف كبير بجذب الاستثمارات فرغم مساحة الوطن العربي التي تصل إلى 25 ضعفاً لمساحة فرنسا وأكثر من خمسة أضعاف عدد سكانها إلا أن الناتج الإجمالي للدول العربية مجتمعة الذي يبلغ حوالي 2،7 تريليون دولار يفوق الناتج الإجمالي لفرنسا بقليل الذي يصل لحوالي 2،4 تريليون دولار، وتمثل دول الخليج قرابة 45% من الناتج الإجمالي العربي على أقل تقدير أي بدون احتسابها فإن بقية الدول العربية تمثل 50% من الناتج الإجمالي الفرنسي فالسعودية تمثل قرابة 30% من الناتج الإجمالي العربي أما أميركا فناتجها يعادل 8 أضعاف ناتج الاقتصاد العربي.
فالدول العربية لا تنقصها الثروات الطبيعية وموقع الوطن العربي جغرافياً هو الأفضل عالمياً وفيه ثروات هائلة وتعداد سكاني ضخم يفوق 360 مليونا أي حوالي 5% من سكان العالم لكن بشكل عام فإن استثمار هذه الإمكانيات كان محدودا خصوصا بالدول الكبرى من حيث عدد السكان كمصر والعراق والجزائر والسودان وذلك على مر العقود الماضية منذ تحررها من الاستعمار الغربي قبل أكثر من ستة عقود.
الاقتصاد العربي بالمجمل ضعيف ويعد هو نقطة الضعف الكبرى وسبب ما وصلت إليه كثير من الدول من تفكك وفوضى ويعتمد العرب عموما على دول الخليج بشكل أساسي في تمويل المشاريع بالإضافة لفرص العمل فملايين العرب يعملون بدول الخليج ويدعمون اقتصاد بلدانهم بالحوالات الضخمة ولكن كل ذلك لم ينعكس لا بتحسن ولا بتنمية مستدامة باقتصاد تلك الدول بل ولم تحافظ الكثير منها على مكتسبات معقولة ببعض الصناعات والنشاطات التجارية التي حققتها قبل عقود فما يشهده الواقع اليوم للدول العربية باستثناء دول الخليج يعد مؤلماً ويحتاج لتشخيص دقيق واعتراف كل دولة بأزمتها ومشاكلها الاقتصادية والبدء بإصلاحات جذرية وكذلك إعادة تعريف المصالح العربية وبنائها وفق الواقع والإمكانيات للوصول لصيغة اتحادية على غرار ما حققته دول الاتحاد الأوروبي من شراكات كبيرة بينها.