أمل بنت فهد
يبدو من المنطق أن تتسلح بخبراتك القديمة، وتجاربك السابقة حين تتصرف، وحين يجبرك الموقف لاتخاذ خطوة ما، لكن ليس على كل حال، إذ إن بعض الأحداث والمواقف تحتاج منك أن تتخلص كلياً من رواسب الخبرة، وتدخلها كأنك مولود جديد لم يخبر شيئاً من الحياة.
فالخبرات في بعض المواقف مثلها مثل بذلة المحارب القديم، الثقيلة، والتي تحكي المبالغة المفرطة في الحماية، وهذا ما تفعله تحديداً خبراتك القديمة، إنها تحميك من الجديد، ورغم أن تلك البذلة تقدم الحماية إلا أنها تعيق سرعة الفارس، والخوذة التي تحمي رأسه ووجهه تحد من رؤيته، لكنها كانت مناسبة حين كانت ساحة المعركة تعتمد على السيف والخيل، والكر والفر، ولو جاء الفارس القديم ببذلته الثقيلة لحرب اليوم، لاخترقته الأسلحة الحديثة وتناثر كغيمة حمراء دامية.
وأنت حين تتعامل وفق خبراتك القديمة مع كل شيء، على أرض جديدة، وأُناس جدد، وأماكن مختلفة، فأنت ذاك الفارس القديم، وشجاعته ستكلفه الهزيمة، وهذا ما حدث مع الإنسان مهما كان عمره، حين يصل لقناعة الوصول لمنتهى سقف التجارب، والمعرفة، إنه فعلياً يحبس نفسه في مختبره الخاص، فالعالم بأسره، والكون بتفاصيله أكبر مما تظنه تجاربك اليتيمة، بل أنت جزء غير مرئي في جديد الحياة، والقديم منها أيضاً، مهما قرأت من الكتب، ومهما زرت من الأماكن، ومهما بلغ عدد البشر الذين مرّوا بحياتك، ستبقى شحيحة لتكون موقفاً من خلالها.
إنها (هزيمة الكبار) التي تحدث عنها كولن ولسون في كتابه (الجنس والشباب الذكي) حين كتب: «الشباب والأطفال يمتلكون أشياء فقدها معظم الكبار تماماً بلا أمل في استعادتها، فقد وصل الكبار إلى قبول نوع معين من الهزيمة وتصالحوا معها».
ولأنها فعلاً ورطة الإنسان حين تخدعه خبراته، وتتدخل في حاضره لتحميه من جرح قديم، وتخوفه من الانكسار الذي حدث يوماً ما، وتمنحه شيئاً من التصالح الظاهري مع واقعه، وهو في عمقه مجرد جبن ومخاوف، لا بد أن يعرف متى يطيح بها قبل أن تخدره، سيعرف أنها تدخلت في حياته حين يفقد رغباته، حين يفعل كل ما كان يمنحه النشوة لكنه لا يشعر بشيء، حين يشعر بشيخوخة مباغتة، حين لا يتذكر السبب الذي وضع من أجله خطوطه الحمراء التي لا يتجاوزها، لكنه اعتاد عليها.
باختصار، حين تفقد الدافع، ويغمرك العزوف ويغرقك، ويبدأ الاختناق، وتشعر أن حياتك احتلها الملل من البشر، والأمكنة، فتأكد أن خبراتك القديمة فعلت فعلتها، وجرتك إلى سجنها.