يوسف المحيميد
في مرحلتَيْ الطفولة والصبا كنتُ فنانًا تشكيليًّا، حتى استجبتُ لرغبة أمي -رحمها الله-، وتوقفتُ عن الرسم نهائيًّا، وغادرتْ رائحة ألوان الزيت غرفتي الصغيرة إلى الأبد، لكنني لم أحرم نفسي من تذوق الإبداع في جاليريات العالم ومتاحفه، وبدأتُ اقتناء الأعمال منذ صيف 1999 مع البحريني عباس الموسوي بعد أن فشلتُ في اقتناء لوحتين للبناني بول غيراغوسيان قبل ذلك بعامين أو أكثر. هي قصص طويلة، قد أدونها يومًا ما؛ لما فيها من تفاصيل ومواقف غريبة.
كنتُ أتورط بحالة شغف مع اللوحة حين تسلب بصري وبصيرتي، رغم أن ذائقتي صعبة أحيانًا؛ فقد أتجاوز لوحة لمجرد بقعة لونية مستفزة، أو خط في غير مكانه، كما أرى طبعًا، وليس كما يرى الفنان، لكن علاقتي باللوحة علاقة روحية، وليست علاقة مادية؛ فلستُ مستثمرًا في الأعمال الفنية، رغم أنها وسيلة جيدة للاستثمار، وهي كما يقول لي صديق عراقي، صاحب جاليري في دبي، واصفًا اللوحة: «زينة وخزينة»، وهو وصف مختزل ودقيق؛ فهي بالفعل زينة للمكان حين تتجمل جدرانه بها، وهي «خزينة» كاستثمار طويل الأجل. وأبسط مثال على ذلك، وعلى المستوى المحلي، لوحات الرواد (محمد السليم، وعبدالجبار اليحيا، وعبدالحليم الرضوي) كانت بأسعار زهيدة في الثمانينيات، لا تتجاوز خمسة آلاف ريال للوحة، لكنها اليوم بمئات الآلاف، خاصة لمن وصلت لوحاته إلى مزادَي سوذبيز وكريستيز العالميَّين، كالفنانَين السليم وعبدالرحمن السليمان، اللذين دخلت أعمالهما عبر مقتنين إلى هذه المزادات العالمية، وحققت أرقامًا مهمة في بورصة الفن التشكيلي المحلي.
هكذا أنظر إلى أي مكان أزوره، الجدران عارية حتى تزهو بفساتينها الملونة، تلك الفساتين/ اللوحات التي تختلف بين أن تكون تجارية، وذات قيمة فنية أقل، ولوحات أكثر أهمية فنيًّا وعلى مستوى اسم الفنان وسيرته، وما تحقق فيها من نجاحات، ووصول إلى المزادات والمتاحف العالمية.