د.ثريا العريض
من دلائل حيوية صناعة القرار في المجتمع المتابعة الجادة لتفاعل المجتمع مع الأوضاع العامة, وأن يلاحظ المختصون حركة المؤشرات ويخططون بجدية وفعالية وشمولية لتعديل الأوضاع. وليس هذا مطلباً سهلاً فتحديات التنمية تصبح حادة المتطلبات حين تختلف وتتناقض مرئيات الفئات المجتمعية والمختصين وصناع القرار حول ما هو الأفضل؟ وأين توضع الأولويات؟
في الفترة القريبة الماضية شغلت ساحات الإعلام والحوار قضايا حيوية مترابطة تلتقي عند متطلبات تنمية الاقتصاد وتفعيل المساهمة المحلية فيه؛ البطالة حتى بين المتخرجين, التخلص من العمالة المخالفة, والتوطين, والتخوف على القطاع الخاص, وبالذات المؤسسات المتوسطة والصغيرة التي ما زالت تعتمد على العمالة غير المواطنة.
مؤخراً في حوار ببرنامج تلفزيوني محلي جاد تناول الضيوف موضوع التوقعات والممارسات السائدة بالنسبة للتخصص وخيارات وتفضيلات الأفراد التي ما زالت تبجل الدراسة الجامعية, وضرورة تعديل العرف المجتمعي الذي يشجع الدراسة الجامعية على التخصصات المتعلق بالتدريب المهني الحرفي منذ المرحلة الإعدادية. بلا شك تحديات الاستقرار المادي والنفسي المستدام, وقرارات التنمية الشاملة ومشاريعها واستراتيجياتها وخططها هي أهم أسئلة تواجه أي دولة ومجتمع في أي زمن. في زمن النهضة والتقدم المعرفي تنجح مشاريع وخطط التنمية, وفي زمن التراجع العلمي يتعثر النمو. وبتكرار التعثر تتراجع الحضارة بكل مؤشراتها الاقتصادية والثقافية والعلمية ويعود البشر إلى اليأس والإحباط.
كثير من ردود الفعل العامة عند المهتمين جاءت بصورة تعليقات سلبية وتهكمية على الإجراءات المقترحة والاستراتيجيات المعتمدة, لا تتوقع نجاحها كحلول على المدى القصير, وبالتالي تتوقع تداعيات تفاقم الأوضاع والمعاناة الفردية. مثلاً التأكيد أن برامج التصنيع ليست مضمونة النجاح في وضع عدم توفر المواطنين المؤهلين للقيام بأعمال تقنية لتشغيل وإدارة المصانع وصيانة الأجهزة والمكائن المستخدمة. ومن الناحية الاقتصادية الاستثمارية واضح أن اجتذاب الاستثمار الخارجي يرتبط بتقديم التسهيلات والتغير في إطار التفاعل الاجتماعي البعيد عن التشدد في بيئة العمل والسوق. لا ألوم المتوجسين فتوجساتهم منطقية جداً, ومحملة بتراكم تجارب فردية مؤلمة ومحبطة نفسياً.. ولكن ما نحتاج إليه هو الثقة بالبرامج الطموحة الساعية لإيجاد حلول بدلاً من توقع فشلها حتى قبل أن تبدأ.
التهكم هو دليل الشعور باليأس والإحباط؛ لا يحل مشكلة ولا يبني حضارة!.. وحتى إن كانت الخطوات الأولى تواجه التحديات وتراكم المتوارث القيمي المؤثر سلبياً, يظل التماشي والتعاون لإنجاح التحول من المجتمع الريعي إلى المجتمع الفاعل العامل ذي المردود الإيجابي, مطلوباً على كل المستويات وكل الأطراف المعنية.
فلنطبق مبدأ «من العبد الحركة.. ومن الرب البركة».. ولكن يجب أن تكون حركة في الوجهة الصحيحة.