عبده الأسمري
في منظومة الحياة ونظم التعاملات نجوى بين النفس وعمقها ووسط الروح وأعماقها تظل حديثا داخليا وتبقى شعورا ذاتيا وارتدادا ما بين الفكر والتفكير..وقد تتعدى النجوى أسوار الإنسان لتكون مشتركة بين شخص أو شخصين أو جماعة أو مجموعة ولكنها تدور دائما في ساحات «السر» ومساحات «الخفية» وفي دستورنا العظيم القرآن الكريم وردت النجوى في أكثر من موضع ووصفت في أحدها بأنها من الشيطان لذا فإن حياكة النجوى ونسج خيوطها يجعلها تتلبس رداء «السلب» وجلباب «السوء».
في أعماق كل نفس بشرية «نجوى» داخلية تتعلق بذاكرة تستعرض شاشاتها أمام العقل لحظيا ويوميا وردود أفعال وحلول وتدبير يجعل الإنسان تحت وطأة التنفيذ أو التريث أو الامتناع فيظل الصراع محتدما في متاهات «النجوى» النفسية التي تداهم الجهازين العصبي والنفسي حتى ينحل بردة فعل أو أسلوب أول تعامل يحول النجوى إلى «سلوك» فعلي.
واذا ما انتقلنا بالنجوى إلى مجال «الحيل» ومصير «الخداع» فإنها تتحول من دائرة الخصوصية إلى دوائر الجماعة,, فتتشكل الشلل وتتجمع الأحزاب وتتكتل الفئات.. وعادة ما تتجه الأمور فيها إلى «التخطيط» أو تمرير المصالح المشتركة أو تبرير الأخطاء المجتمعة أو تحقيق المآرب المتشاركة.. فيكون هنالك فريق ومجموعة تدير أعمالها تحت مظلة النجوى ولا بد أن هنالك «ضحية» مستهدفة أو «جمع» من الضحايا الذين ينتظر المتناجون أن يقعوا في مصائد «الخطط» وأن يسقطوا في أشراك «الاحتيال»!!
لذا فإن النجوى وبشكل «أغلب» وبمعنى «أكثر» وبتفسير: «أِشمل» عادة ما تؤول إلى معادلة «الجناية» التي تتورط فيها الذات منفردة أو الجماعات مشتركة.. وإلا ما حيكت في «متاهات السرية» وأحيطت بسياجات «الخفاء» ويستثنى منها «المعروف والصدقة والإصلاح بين الناس» وفق ما برهن به «البيان العظيم» القرآن الكريم.لذا فإن الكفة ترجح الجناية في النجوى التي تكتظ بالفتن والتحايل والخديعة والمكر في أغلب جوانبها ومن الواجب والأوجب استثمارها وفق آفاق المنافع والفوائد وتحويلها إلى مادة «خام» لتشكيل السلوك وتثقيف المجتمع بالابتعاد عن العزة الذاتية والاندماج في المشاركة الاجتماعية مع الآخرين تحت لواء الحوار وراية «الحسنى».
تتسبب النجوى في إغلاق مسارات «الشور» وتغافل جهات «الاستدلال» وتجاهل ومضات «التروي» فتزهق الجهاز النفسي بالشرود والقلق وترهق المشاعر الإنسانية بالأنانية والنرجسية فتتعب الفؤاد وتلعب بالأعصاب وتغلب الموضوعية وتهزم البراءة وقد تؤدي إلى عواقب بالغة «البؤس» سواء على النفس من خلال الارتداد والإسقاط أو على الغير في حالة الخصومة أو الاختلاف.
ومن أعماق عجز الإنسان تتجلى آفاق إعجاز الله عز وجل في ترتيب قدري لا يعلم تفاصيله وتدبيره إلا هو فيأتي البرهان واليقين بصورة مهيمنة في هيئة «المناجاة» التي تتجه من كل الجوارح والخلايا لتتشكل في هيئة «دعاء» بين يدي الله من عبد فقير إلى رب غني ومن مخلوق ضعيف إلى إله قوي متين..
يلجأ المسلم إلى المناجاة بكل ملامحها وملاحمها وسط وعود ربانية ومواعيد إلهية ترسم التدبير من لدن حكيم خبير. فيخرج من متاهات الظلام إلى دروب النور وينجو من أقبية الكرب إلى أسطح الفرج وينـأى من مظالم الخوف إلى إضاءات الأمان..
وسط هذه المناجاة يسمو الإنسان ويعلو بما بينه وبين ربه في شعائر عبادة ومشاعر تعبد فترتسم «النجاة» بكل صورها وشتان ما بين المناجاة التي تعد حبلا متينا وحصنا حصينا وثقة ويقينا وتسير بصاحبها إلى أعلى درجات الخير.
بين النجوى والمناجاة.. تباين وبون شاسع في المفهوم والفهم وبين المعنى والاعتناء.. فالنجوى دليل أحادي مبني على هوية عملية ومغنم شخصي وتوجيه من الذات خارج إطارات الإيثار وقد ترمي بصاحبها في تأثير سلبي عليه وعلى غيره فيما تظل المناجاة الطريق المفروش بالفرح والمكلل بتحقيق الأمنيات والمجلل بتوظيف الأماني.