رجاء العتيبي
لم يعد للنقد تأثير كما كان في السابق, لا النقد الأدبي ولا الثقافي ولا الفني, ولا التشكيلي, ولا المسرحي, ولا السينمائي, ولا أي شيء, تنتقد أو لا تنتقد لا أحد يسمع لك ولا ينظر فيما تقول ولا يؤثّر لا من قريب ولا بعيد, هذا ليس تشاؤماً ولا فقدان أمل ولكنه الوضع الراهن, ومن يتحفظ على هذا الكلام يأتي بأطروحة نقدية كان لها تأثير أو تفاعل أو صارت حديث الساعة.
لماذا؟ لأن هناك إنتاجاً ضخماً فما تطرحه المهرجانات والفعاليات والمطابع والندوات أمر يتعذّر متابعته بشكل دقيق, وسرعة الإنتاج وتتابعه يجعل الناقد غير قادر على رصد ما يستحق النقد من عدمه, والجماهير لا يهمها النقد بقدر ما يهمها الإنتاج, عطفاً على قدرة الكثير على التمييز بين الأعمال مقارنة بالسابق, الناس حالياً لا تحتاج للناقد حتى ينير لها الطريق, وإنما تجعل من نفسها صاحبة القرار إن أرادت صفقت للمنتج وإن أرادت تركته جانباً والتصفيق قد يكون لدواعي الزمالة أو الشللية أو المصلحة أو المجاملة أو التكسب, أما الحابل والنابل فقد اختلطا على الجميع فلا تدري ما تتابع وما تنقد.
أما الطامة الكبرى تكمن في أن الناقد غير مرغوب فيه ولا يحتفل به أحد لأنه يفسد مشروع (النجومية) على أنصاف الموهوبين والموهوبين على حد سواء, فعندما يبدأ (المبدع) مشروعه فلا يريد أحداً أن يعري ما يعمل, لذلك يهاجم الناقد بضراوة حتى لا يفسد عليه مشروعه, وهذا ينطبق على صاحب الإنتاج سواء كان صغيراً أو كبيراً مبتدئاً أو مخضرماً, يعطيك إيحاء بأن تقول ما يسره وما يحلو له لا ما يسيئه أو يعري منتجه فنياً.
النقد (يتحسس) منه الجميع, لذلك كثير من النقاد آثروا السلامة, وتركوا كلٌّ يغني على ليلاه وتركوا الحكم النهائي للجماهير هي التي تقبل أو ترفض المنتج النهائي, وكأنهم مقتنعين أن الزمن الحالي الحكم فيه للجماهير وليس للناقد, طالما أن الناقد شخصية منبوذة فنياً وثقافياً.
يمكنك أن ترى شيئاً آخر حل محل النقد, مثل: التراشق بالكلمات, السخرية من المنتج, نقد موجه غير أخلاقي, تصميم الجرافيك الساخر حتى التعدي على الشخصية, السباب الشتم, وهذا تشاهده أكثر في المجال الرياضي, أما الناقد الرياضي الصادق مع نفسه ومع الآخرين فلا وجود له, تم ضغطه في زوايا المثلث حتى استسلم, فالجماعة الذين يقفون في منطقة الإنتاج أقوى وأشرس وأعنف من ناقد (بسيط) ليس معه سوى فكره وقلمه وقلبه الصادق.
مرحلة ما بعد النقد مرحلة معتمة عبارة عن منتج وصراعات وتقليل من شأن أو رفع من شأن بمنطق أو بدون منطق, مرحلة يتلقى فيها الناس المنتج ويمضون لحال سبيلهم, لا يتوقفون ولا يراجعون, فما أن ينتهون من تلقي مادة ما, تضخ الآلة الإعلامية ملايين المواد فما يدري خراشٌ ما يصيدُ.