د. حسن بن فهد الهويمل
حين تحس بأنك مقروء، وأن أحداً - ما - يُتابعك، تجدُ في نفسك الرغبة الملحة، والشجاعة القوية لدخول المواقع، واتخاذ موقع بينها. وبودك - أيضاً - لو لقيت أطرافاً تحترم الكلمة، وتعي مسؤوليتها.
كل متحدث يجزم بأنه ابن بجدة الصدق، والالتزام. أما خطله فلا يراه، بل يعتبره عين الصواب، ولو بدا له عواره، كما بدا لغيره، لما ارتكب تلك الحماقة:- {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا}.
[يُقْضَى على المَرءِ فِي أَيَّامِ مِحْنَتِه … حَتَّى يَرَى حَسَناً مَا لَيْسَ بِالحَسَنِ]
المجازفون يعيشون المحن، وهم لا يعلمAون. [وأخوُ الجَهَالَةِ بِالشَّقاوةِ يَنْعُمُ]. والعقلاء توجف قلوبهم:- [ذُو العَقْلِ يَشْقَى فِي النَّعِيمِ بِعَقْلِهِ].
الناس لهم مناحيهم، واهتماماتهم:- {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}. والذين تصدمهم السلوكيات غير السوية قد لا يدرون أنهم قادرون على تقويض جبل كـ [أحد]، ولكنهم لا يستطيعون تعديل طبع، على حد المثل العامي - دون تعديل نحوي - [حَدِّرْ جَبَلْ، وَلاَ تحدِّرْ طَبْع].
و[الطبعُ يَغلبُ التطبعَ] هذه حال بعض مشاهدنا، ومواقعنا، جهلة لا يدرون أنهم جهلة، وعاطفيون لا يقيمون وزناً للعواقب الوخيمة.
والعقلاء الواعون ينالهم نصيب من هذه المغامرات المحفوفة بالنصب، ولكنهم يحتملون ذلك تمشياً مع:- [لا بُدَّ للحَجَّازِ مِنْ ضَرْبَةِ عَصَا].
المجد الآن للمواقع، ومن لم يكن له نصيب منها، يفقد الحضور، والتأثير.
وكأني بالمغامرين يرددون:- [مُكْرَهٌ أخَاكَ لا بَطَلُ]. وسنة التداول خلّفت أشياء، وقدمت أخرى. {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس}.
كانت [الصحافة] الورقية سيدة الموقف، وكان الكتبة والمعلنون يتهافتون على أبوابها، وكانت تذود، وتَنْتَقِي.
وفي ظل ثورة المعلومات، والاتصالات، والتقنية الدقيقة [النانو] دالت دولتُها، ولم تعد سيدة الموقف، غير أني متفائل - وبخاصة في ظل المتغيرات الجذرية - بِعَوْدتها إلى مشارف مواقعها.
لن يعود لها سلطانها السابق، ولن تبرح الساحة، ولكنها لن تكون الأولى في الضَّخِّ المعرفي، والثقافي، والإعلامي.
هذه التحولات حملت البعض على التحرف، والبحث عن مواقع أكثر تأثيراً، وأقوى حضوراً.
حتى أن البعض من كبار الكتاب ترك الصحافة، واكتفى بالمواقع لكثرة الواردين عليها. لقد بهرتني بعض المواقع التي نيف المتابعون لها على عشرة ملايين. إنه رقم مثير، ولافت للنظر.
هذا المحظوظ:
- كيف يتصرف مع متابعيه؟
- وهل يملك إمكانياته، ويأطرها لخدمة الصالح العام؟
- وهل يحفظ التوازن، ويمارس الوسطية، ويجنح إلى التوفيق، واحتواء الخصوم، والتأليف بين القلوب؟
معادلة صعبة. الجماهير قد تحمل المتبوع على تلمس رضاها، وقد تفرض عليه إرادتها، وتملي عليه تطلعاتها. وقد ينسيه الانتشاء والزهو ما يجب أن يكون.
بعض العلماء ينهر أتباعه حين يلحقون به؛ لأنهم مصدر الافتتان. حسابات صعبة.
أبرع الممثلين يخرجون على [النص]، ويقولون:- [هذا ما يريده الجمهور]. وهذا يصدق على [الأحزاب السياسية].
حين يكون [الجمهور] هدفاً تتضاءل أمامه الأهداف السامية، ويدخل الممثل مرحلة التهريج.
لقد أحسست بأن المستجد الإعلامي خطير، وحساس، وله عواقبه الوخيمة، ولكن كما يقال:- [شَرٌ لا بُدَّ مِنْه].
[الأضواء] شهوة يتهافت عليها البعض، كـ [البعوض] يتهافت على النار ليحترق.
والذين سار الملايين في أعقابهم لا يستطيعون التفريط في جنبهم، ومن ثم قد ينصرفون عن التفكير في الأجدى إلى التفكير في المناسب للتابع.
لقد وجدتني في المعمعة التي تحتمل قراءات عدة. وحين تعن لي الفكرة أضع نصب عيني سلطات ثلاث:-
- الدين.
- والسياسة.
- والرأي العام.
وهي سلطات مشروعة، ولها حق المتابعة، والأطر على الحق، والمحاسبة على الزلات؛ فالكلمة لها أثرها، والتغيير يبدأ من [الكلمة]. وقديماً قيل:- [في البدء كانت الكلمة].