عبد الله باخشوين
** مازال من المبكر جداً الحديث عن (صناعة سينما) ومبكر جداً القول (بمهرجانات أفلام سعودية) لكنها خطوات طموحة وواعدة ومشكورة.. وربما تكون فكرة (مهرجان البحر الأحمر) هي الفكرة التي تشكل نوعاً من (التحدي) المأمول النجاح.. إذا روعي أن يكون المهرجان (وحدة إقليمية) أي يكون شاملاً تشارك فيه - بأفلامها- كل الدول المطلة على البحر الأحمر.
أما (صناعة السينما) فنحن بعيدين عنها كل البعد.. أما إذا أردنا الدخول إلى آفاق السينما باعتبارها (فن سابع) فأمامنا مرحلة خطواتها طويلة وشاقة.. لأن شروط الفن السابع لا تنطبق على ما اخرج وظهر عندنا من أفلام.. تم إنتاجها بجهود فردية طموحة جدا.. وشبه إعجازية.. خاصة ونحن نعرف أن الفن السينمائي يحيلنا إلى (الاقتصاد - والتجارة) قبل أن يصل للإبداع و(الجماليات).
نقول (الاقتصاد) لأنه يحيلنا إلى (التجهيزات) وهي (صفر).
فأنت تحتاج أولاً لبناء (إستديو) واحد على الأقل وعلى قطعة أرض كبيرة.. مزودة بخامات (الديكورات) والعمال والفنيين القادرين على بناء نماذج مصغرة من الأحياء والشوارع.. و(داخلي) كالمنازل وأثاثها.. وديكوراتها. إضافة للمحلات والمقاهي وما إلى ذلك من (تجهيزات - تشبيهية).
ونقول (تجاري) لأن عليك أن تنتج أفلاماً ناجحة.. تؤمن لها صالات العرض المناسبة في (عدة مدن) حتى تتمكن من جني عائد مالي يغطي التكاليف التي أنفقتها.. باستئجار الإستديو والمعدات والعاملين عليها وفوق كل هذا مطلوب أن تدفع أجور المخرج وطاقم التمثيل والكتابة والموسيقى وغيرها كثير.. ثم عليك أن تجني بعض الأرباح.
هذه هي معادلة الإنتاج السينمائي.. أما أن يقوم عدد كبير من الشبان والشابات بجهود ذاتية بحماس قادر على (فلق الصخر) فهذه جهود كبيرة وتستحق الدعم والتشجيع والإشادة لكنها لا تؤسس لك لا صناعة سينما ولا حتى فن سينما.. وفي البلاد العربية - حتى في مصر بتاريخها السينمائي الذي نعرف، هناك عدد كبير من الأفلام التي لا يتوقع لها النجاح (التجاري) لا تنتج إلا من خلال (مؤسسة السينما) وهي جهة حكومية تقوم بتمويل إنتاج الأفلام.. وفي كل دولة عربية اقتحمت مجال السينما توجد مؤسسة حكومية تتولي مهمة الإنتاج والتوزيع والعرض ويتقبل صندوقها المالي كل خسائر الإنتاج المحتملة.
الأمر الذي يدفعنا للقول.. إنه لا يجب أن تكون أحلامنا وطموحاتنا أكبر من قدراتنا وإمكانياتنا.. ويجب أن نتخذ الخطوات الصحيحة إذا كنا جادين في (فكرة) إنتاج أفلام سينمائية تصلح للعرض وتطمح للمنافسة في (سوق اقتصادي رهيب جداً.. يكفي بشأنه أن نقول بعض تفاصيل هذا الخبر:
- تقوم الصين حالياً ببناء مدينة للسينما تبلغ تكاليفها (86-7) مليار دولار.. على أرض تزيد مساحتها عن 50 ملعب كرة قدم.. في مدينة تشيننق داو الساحلية شرق الصين.. وهي تابعة لمجموعة (واندا) التجارية.. أنجز منها حتى الآن 30 إستديو.. أحدها يمتد على أرض مساحتها عشرة آلاف متر مربع.. وتهدف هذه المدينة لمنافسة إستديوهات (هوليود التي تبلغ مساحتها 30 ميل مربع ويعمل فيها 143 ألف موظف.. وتنتج 500 فيلم سنوياً.. أي نصف إنتاج إستديوهات بوليود التي يصل إنتاجها بكل لغات سكان الهند إلى (ألف) فيلم سنويا.
أما على المستوى العربي فإن أكبر إنتاج للأفلام في مصر وصل إلى 55 فيلما فيما تنتج دولة (إفريقية) هي نيجيريا 200 فيلم سنوياً.. ونحن -ربما- في الوطن العربي كله لم نشاهد منها ولا حتى (مشهد واحد فقط).
لذا أرجو فقط أن نمتنع.. أو نقلل من استخدامنا لمصطلح (صناعة السينما السعودية).. لأن التحدي الكبير لكل العاملين والطامحين للعمل في السينما هو القدرة على (إنجاز) فيلم ضخم يسجل أهم خطوات مسيرة المغفور له الملك عبد العزيز لتوحيد المملكة.. هذا الفيلم الذي أراد المخرج العالمي المرحوم مصطفى العقاد أن يضمه لفيلمي (الرسالة) و(عمر المختار) وتقدم لنا بوثائق تفاصيله لإقرارها والإشراف عليها.. فهل يتم هذا من خلال شباب السينما ليدخلون به إلى (الفن السابع) من أوسع الأبواب أم أننا سوف ننتظر أن تقوم به أجيال قادمة.