عبدالعزيز السماري
ما هي الحكمة؟ يتردد على أسماعنا أن نكون أكثر حكمة عند مواجهة الأزمات، وأن كثيرًا من الأذى والمعاناة البشرية تأتي من قلة الحكمة، ولكن ما هي الحكمة؟ وكيف نصل إلى معرفتها من أجل استخدامها بكفاءة في معترك الحياة? في الوقت الحاضر لدى الإنسانية كميات هائلة من المعرفة، ولكن لا يزال هناك القليل من الحكمة؛ فالصراع الإنساني كان دومًا ما يتجاوز نداءات التأني والموضوعية، وعادة بعد حدوث الأزمات تبدأ الحسرات والآهات على التسرع في القرارات.
هناك تصور شائع بأن الحكمة تأتي مع تقدم العمر، فقد تعلَّم الحكماء من التجربة أنه يوجد في الحياة ما هو أكثر من اكتساب الثروة والشهرة؛ فالحياة قصيرة كي نبعثرها في البحث عن الثروة والسلطة والشهوات؛ ولذلك عندما تتراجع إلى الخلف قليلاً، وتراقب تسارع الأحداث وصراع البشر، ستكتشف أن الحكمة حالة نادرة، وربما صعبة المنال.
السؤال الذي يطرح نفسه بطبيعة الحال: كيف يمكننا تطوير الحكمة داخل ذواتنا؟ اتضح أن الحكمة التي نسعى إليها موجودة بالفعل في داخلنا، وفي أعماقنا؛ فنحن نعرف الصواب من الخطأ؛ وهذا التمييز جزء جوهري من الحكمة الإنسانية، لكن عادة ما تحجب العواطف والمشاعر السلبية والنزوات والأغراض الشخصية تلك القدرة على التواصل مع الآخرين من خلال الموضوعية.
منذ العصور القديمة برز مفهوم الحكمة بعيد المنال بشكل بارز في النصوص الفلسفية والدينية، ويبقى السؤال معلقًا: كيف يتم ذلك في حياة الأفراد؟ يتفق معظم علماء النفس على أنه إذا عرفت الحكمة بأنها تحافظ على الرفاه الإيجابي واللطف في مواجهة التحديات فإنها تعد واحدة من أهم الصفات التي يمكن للمرء أن يمتلكها في حياته.
الأداء المعرفي يتباطأ مع تقدم العمر، لكن السرعة ليست كل شيء؛ فقد أشارت دراسة حديثة في موضوعات عن العلوم المعرفية إلى أن كبار السن لديهم معلومات أكثر في أدمغتهم من الصغار، لكن استرجاعها بشكل طبيعي يستغرق وقتًا أطول، كما أن نوعية المعلومات في المخ الأكبر سنًّا أكثر دقة وموضوعية. كما وجدت الدراسة أنه على الرغم من أن الأشخاص الأصغر سنًّا كانوا أسرع في اختبارات الأداء المعرفي إلا أن كبار السن أظهروا «حساسية أكبر للاختلافات الدقيقة بين المعلومات»..
من المنطقي أنه كلما زاد عدد الأشخاص الذين لديهم معلومات في أدمغتهم تمكنوا من اكتشاف أنماط مألوفة في الحياة، وأن تلك «القوالب المعرفية» تتطور في الدماغ الأكبر استنادًا إلى التعرف على هذه الأنماط، وأن هذا البعد يمكن أن يشكل الأساس للسلوك الحكيم والقرارات المتوازنة.
هناك حاجة إلى التوسع في دراسات الشيخوخة بسبب الرضا الذي يظهر في وقت متأخر من الحياة، ويتكون من أشياء، مثل الرغبة في الحفاظ على الصحة الجسدية والعقلية، والتطوع، وإقامة علاقات إيجابية مع الآخرين. كما أن الوصول إلى مستوى التفكير من خلال الحكمة يساعد حتى الأشخاص ذوي الإعاقة الشديدة في العثور على المعنى والرضا والقبول في الحياة اللاحقة.
ختامًا تنطوي الحكمة الحقيقية على القدرة العالية على إدراك السلبية داخل أنفسنا وخارجها، ومحاولة التعلم منها، وعدم التسرع في القرارات. يقول أحد الحكماء إن الحكمة تتميز بـ»انخفاض في التركيز على الذات». ويحاول الحكماء فهم المواقف من وجهات نظر متعددة، وليس فقط وجهات نظرهم؛ وبالتالي يظهرون التسامح والمحبة كنتيجة لذلك.