«الجزيرة» - عوض مانع القحطاني:
قال الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين، إن المنظمة تنوه بالموقف القوي والسريع من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - تجاه الحدث الإرهابي الذي وقع في مسجدين بنيوزيلندا هذا الشهر، وأدى إلى استشهاد 50 مصلياً وإصابة العشرات، كما عبَّر عن اعتزاز المنظمة بأداء المصلين في المسجد الحرام والمسجد النبوي صلاة الغائب على من استشهدوا في الحادثة الإرهابية الغادرة.
وأكد العثيمين في حوار خاص مع صحيفة الجزيرة «أن العالم بأجمعه اليوم أصبح أمام فرصة عظيمة للاعتراف بأن الإرهاب لا دين ولا جنسية له، وأنه يجب وقف شيطنة الآخرين ووضع القوانين والتشريعات التي تكفل احترام الجميع، وأقول إن الجميع معرضون لمخاطره، ولا بد من عمل جماعي وشامل يحدد المسؤوليات، ويجرّم العداء للأديان».
ولفت أنه التقى وزير الخارجية النيوزيلندي وينستون بيترز، وعبَّر الوزير عن حزن بلاده للواقعة المجرمة التي حدثت ونفذها شخص قادم من خارج نيوزيلندا، وأضاف العثيمين: «كما عبَّرنا عن تثميننا للدور الذي لعبته بلاده في التعامل مع الحادثة الإرهابية، ونحن نشيد بكل التحركات التي قامت بها رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن من أجل احتواء الموقف، وتأكيدها على أهمية المكون الإسلامي في مجتمعها، ورفع الآذان في عموم البلاد كبادرة تدل على التعايش والسلم»... إلى نص الحوار:
* في البداية، ما هو تعليقكم على حادثة الإرهاب التي شهدتها نيوزلندا، وراح ضحيتها 50 مسلماً، وعشرات الجرحى؟ وماذا عن دور المنظمة في ذلك؟
- قبل ذلك، نحن في منظمة التعاون الإسلامي نثمن ونشيد بالموقف السريع والقوي من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله-، وذلك بعد أن بعثا برقية تعزية للحكومة النيوزيلندية مباشرة وأدانا ما حدث من جريمة هزت العالم ببشاعتها التي استهدفت أرواح المسلمين الأبرياء وتم الغدر بهم في مكان ودار عبادتهم.
ومنظمة التعاون الإسلامي أشادت بهذا الموقف السعودي القوي والحازم من قبل خادم الحرمين الشريفين من الحادثة الإرهابية البشعة التي ذهب ضحيتها 50 مسلماً في مدينة كرايست تشرش، حيث اعتبر المجزرة الشنيعة في استهداف المصلين الآمنين بمسجدين في نيوزلندا، عملاً إرهابياً، وحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته في مواجهة خطابات الكراهية والإرهاب، التي لا تقرها الأديان ولا قيم التعايش بين الشعوب. ورأينا بأن كلمات خادم الحرمين الشريفين التي صدرت في بيان التعزية أو عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» كانت: تدعم المنظمة ولجانها ومؤسساتها وإداراتها المعنية برصد ومكافحة كراهية الإسلام، وما يعرف بالإسلاموفوبيا التي حذرت منه منظمة التعاون كثيراً وخصوصاً خلال الفترة الماضية.
وبدورنا أكدنا كثيراً في البيانات التي أعلناها وبحثناها مع المسؤولين الدوليين عن تفشي هذه الظاهرة، كما عبَّرنا عن قلقنا تجاه تصاعد هذه اللغة في الخطابات ضد المسلمين، وهذا هو ما نتج عنه من حادثة مؤلمة تسببت في رحيل عشرات المسلمين بطريقة غادرة ومجرمة، ومن دون شك هذه حصيلة تغذية الخطاب المتطرف وبث الحقد والكراهية ضد كل ما هو مسلم، ولفتنا أيضاً انتباه العالم إلى خطر التطرف اليميني في كل مناسبة تشارك فيها المنظمة.
وكما أكدت أن العالم بأجمعه اليوم أصبح أمام فرصة عظيمة للاعتراف بأن الإرهاب لا دين ولا جنسية له، وأنه يجب وقف شيطنة الآخرين ووضع القوانين والتشريعات التي تكفل احترام الجميع، وأقول إن الجميع معرضون لمخاطره، ولا بد من عمل جماعي وشامل يحدد المسؤوليات، ويجرّم العداء للأديان، ويضع ضوابط تحرم المتطرفين من شبكات التواصل الاجتماعي التي يتواصلون من خلالها، وينشرون أفكارهم المدمرة عبر تغذيتهم عقول السذج الذين يجندون الأتباع والمشاعر بالكراهية.
ونحن في المنظمة من دون شك نولي ونهتم بالجماعات والمجتمعات الإسلامية في الدول غير الأعضاء، وعلى تواصل دائم معهم.
* التقيتم الأسبوع الماضي وزير الخارجية النيوزيلندي وينستون بيترز، كيف ترون الدور الحكومي والشعبي النيوزيلندي في التعامل مع الحادثة؟
- الحقيقة كان لقاء مهمًا ومثمرًا عبَّر فيه الوزير عن حزن بلاده للواقعة المجرمة التي حدثت ونفذها شخص قادم من خارج نيوزيلندا، وعبَّرنا عن تثميننا للدور الذي لعبته بلاده في التعامل مع الحادثة الإرهابية، ونحن نشيد بكل التحركات التي قامت بها رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن من أجل احتواء الموقف، وتأكيدها على أهمية المكون الإسلامي في مجتمعها، ورفع الآذان في عموم البلاد كبادرة تدل على التعايش والسلم، وتشديدها على مكافحة التطرف ونبذ العنف ورفضها الكامل للإسلاموفوبيا، واتخاذ إجراءات حكومية عاجلة في مسائل تتعلق بتنظيم بيع السلاح وحظر تداول المقطع الفيديو الذي وثقه الإرهابي أثناء عمليته البشعة.
وأيضاً المسجد الحرام والمسجد النبوي شهدا بعد صلاة الجمعة الماضية أداء جموع المصلين صلاة الغائب على ضحايا الحادثة الإرهابية، وهذا محل اعتزاز المنظمة في اتخاذ هذه الخطوة التي كان لها كبير الأثر في نشر التماسك والتعاضد مع أسر الضحايا.
* حذرتم من التعصب ونشر خطابات الكراهية كثيراً، ما هي رؤيتكم في تغذية هذه الخطابات للأفكار حتى تنفيذها للجريمة؟
- من دون شك، إن التعصب القائم على الأيديولوجي ا والعرق أصبح تهديداً رئيساً يعرض السلم والأمن العالميين للخطر في عالمنا اليوم، والإسلام والمسلمين في كثير من الدول يتعرضون للتشويه، ويعانون بشكل متزايد من التمييز العنصري فضلاً عن دعوات يمينية شعبوية تنكر حقوق الإنسان المسلم الأساسية، ومنها الحق في الحياة والعيش في سلام، والتكامل مع كافة مكونات الدول التي يقيمون فيها، وممارسة حقه في أداء الشعائر.
ولدينا في مرصد الإسلاموفوبيا التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، رصد حديث أصدرناه أخيراً، وتبين لنا من خلاله أن الكراهية والتعصب وصلت ضد الإسلام إلى حد مقلق ومتصاعد بشكل خطير. وهذا يتضح في شيوع الخطاب السلبي ضد الإسلام، والحوادث التي استهدفت المساجد والمراكز الإسلامية والأفراد والمجتمعات المسلمة والنساء اللاتي يرتدين زياً إسلامياً، كما سُجلت عدد كبير من حوادث الاعتداءات التخريبية وإضرام النيران في مساجد ومرافق لأداء الصلاة في عدد من الدول في العالم.
وفي الحقيقة هذا الحادث الإرهابي البشع بعث برسالة قوية للعالم، مفادها أن خطاب الكراهية والتعصب والإسلاموفوبيا بات خطراً واضحاً يهدد أمن المجتمعات المستقرة، وأن ما حدث يؤكد أن الإرهاب ليس له دين أو عرق أو جنسية.
* ماذا عن دور الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي والخطوات التي تتخذها لمكافحة الإرهاب والتطرف؟
- لقد أدركت دولنا الأعضاء خطورة الإرهاب، ورددت على مسامع العالم أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، إذا عُقد في الأمم المتحدة اجتماع عالي المستوى للحوار بين الأديان والثقافات والحضارات بمبادرة من المملكة العربية السعودية، وتم تأسيس مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في دولة النمسا. وقد تبنَّت المملكة العربية السعودية وشقيقاتها من الدول الإسلامية مبادرات عدة للاعتدال ومكافحة التطرف عموماً، ومن ذلك تأسيس مركز اعتدال في المملكة العربية السعودية، وهداية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وجهود العديد من الدول، كجمهورية مصر العربية. وكذلك إدارة للحوار والتواصل وصوت الحكمة في الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي.
* هل ترون أن حادثة نيوزيلندا الإرهابية ستقرع الجرس لخطر الأفكار التي تدعو للعنف ويتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي؟
- إن ما حدث في نيوزيلندا هو أمر بشع وله تبعات خطيرة على العالم. هذا الهجوم الإرهابي صدم وجرح مشاعر المسلمين والبشر بأسرهم. وأيًا كانت الدوافع وراء هذا الهجوم فإن مرتكبه إرهابي يستحق أشد أنواع العقاب. وفي الوقت ذاته، ينبغي الإعراب عن بالغ التقدير لحكومة نيوزيلاندا التي اتخذت ما يلزم حيث فتحت تحقيقًا فوريًا في هذا الهجوم الشنيع وقدمت الدعم الكامل للمجتمعات المسلمة المتضررة التي تعيش في البلاد.
ولابد من الإشارة إلى أهمية وجود تشريعات حازمة في الفضاء الإلكتروني الذي تحوّل ساحة لتفريخ الأفكار المتطرفة، ولابد من خطوات وقائية عاجلة ولازمة لاحتواء العنف والإرهاب الذي يستهدف المسلمين أينما كانوا.
* كيف ترون حالة التحديث التي تشهدها المملكة من خلال رؤية المملكة 2030 ويشرف عليها سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، وتأكيداته المستمرة على ضرورة إبرار صورة الإسلام الحقيقية المعتدلة؟
- نحن في المنظمة نثمن هذا الدور السعودي في المنطقة وعلى مستوى العالم، فالسعودية اليوم هي لاعب أساسي ورئيس على المسرح العالمي، وعندما أعلنت رؤيتها الطموحة والتي يشرف عليها سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - ثمنت المنظمة ذلك، واعتبرت أنه تعزيز لدور المملكة في العالم.
ونؤكد أن هذه الرؤية تعزز من ميثاق المنظمة، الذي يدعو إلى التعايش وقبول الآخر ونشر الإسلام بالطرق الصحيحة المعتدلة.
وكما قلت سابقاً، إن الرؤية تقوم على ثلاثة مرتكزات تتمثل في العمق العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية، وأهمية الموقع الجغرافي الإستراتيجي للمملكة الدولة المؤسسة لمنظمة التعاون الإسلامي والعضو فيها منذ إنشائها، وقد بدأت المملكة بالفعل في تنفيذ العديد من البرامج التي تسهم في بناء هذه الرؤية التي من بينها على سبيل المثال برامج تحقيق التوازن المالي، وإدارة المشروعات، ومراجعة الأنظمة، وقياس الأداء. ثم إن المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين أطلقت مجموعة من البرامج التنفيذية الهادفة لتحقيق الرؤية التي من ضمنها برنامج تعزيز حوكمة العمل الحكومي، حيث يأتي هذا في صلب ما يهدف له ميثاق منظمة التعاون الإسلامي وبرنامج عملها اللذان يحثان الدول الأعضاء على تعزيز دعائم الحكم الرشيد. لذلك فإن الجهود الحثيثة والهادفة لسمو ولي العهد تدعم مباشرة رسالة منظمة التعاون الإسلامي في مختلف البرامج والتوجهات التي تضطلع بها المنظمة والتي يأتي من ضمنها الحوار والتعايش.
* ماذا عن ملف مكافحة التطرف والإرهاب، والتهديدات الأمنية التي تتعرض لها الدول الإسلامية؟
- العالم الإسلامي اليوم يواجه الكثير من التحديات مختلفة التوجهات، وعلى رأسها ملف الإرهاب والعنف والتطرف الذي انتشر بشكل سريع في كثير من المجتمعات وخاصة المجتمعات المسلمة، وهذا الفكر بصراحة لا يمثل وسطية الدين الإسلامي الذي يبث الود والتعايش منذ فجره الأول، ونحن نتأسف اليوم ونألم كثيراً عندما نرى بعض الشباب في بعض الدول المسلمة يحملون أفكاراً خاطئة عن هذا الدين بفعل عوامل تعرضوا لها، ولكننا حريصون تماماً على بث رسالة الإسلام الحقيقية التي نعتبرها السياج الواقي لشبابنا وهم ثروة الأمة.
ولا ننسى أن الإسلاموفوبيا تشكل تصعيداً خطيراً للعالم الإسلامي، إذ تدار في بعض المجتمعات بشكل مؤسف، يحرض على الكراهية وعدم القبول بالآخر ونشر التشويه المتعمد لصورة الإسلام والمسلمين.
* أسست المنظمة أخيراً مركز رصد «الإسلاموفوبيا»، كيف ترون ذلك؟
- تأسيس المشروع كان في عام 2007 تقريباً، وهو مرصد خاص يُعنى برصد ظاهرة «الإسلاموفوبيا» والعمل على وضع سياسات التصدي لها ومكافحتها فكرياً، ونقوم في إصدار تقارير سنوية توزع على الدول الأعضاء في اجتماعات وزراء الخارجية، من أجل الوقوف على حقيقة هذه الظاهرة، ورصد تصاعده، ومعرفة حجم أثرها على المجتمعات المسلمة في الدول غير الإسلامية.
ونحن في المنظمة من أولى المنظمات التي تنبهت لخطر ظاهرة الإرهاب، وخطورة ما يبثه على المجتمعات فكرياً، والمنظمة تعمل على إصدار القرارات المتعلقة في التصدي لهذا الخطر، وتمكنا من إنشاء مركز «صوت الحكمة» الذي يهدف أيضاً لمواجهة الفكر بالفكر ويبين الصورة الشرعية لفكر التيارات المنحرفة، لأننا ندرك في المنظمة بأن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، والرأي المنحرف لا يدحضه إلا الرأي السليم الذي يستمد من الشريعة السمحة.
ويسعى مركز الحكمة حالياً إلى العمل على إقامة مؤتمر دولي يبحث في دور التعليم في مكافحة التطرف والإرهاب ويستعرض تحارب الدول في نشر قيم الخير والتسامح، مع إيماننا الكامل بأن التصدي للأفكار الهدامة والمتطرفة أمر وأجب عن الجميع، حتى يعم السلام العالم أجمع، لأن الدين الإسلامي يأمر بنشر الأخلاق والقيم والاعتدال.