د. محمد عبدالله الخازم
يعد المجلس العلمي بأية جامعة أهم الوحدات التي من خلالها يحكم على قوة الجامعة علميًا وأخلاقيًا، لأنه من خلاله تتم الترقيات والتعيينات والبحث والنشر العلمي، ومع توسع أعداد الجامعات ونقص الكفاءات في بعضها وضعف القيادة والحوكمة، تزداد القصص غير الإيجابية في تجاوزها لمبادئ الأخلاقيات الأكاديمية والعلمية وقصص التدخلات التي تخل بحيادية واستقلالية المجالس العلمية. كتبت عن ذلك سابقًا ووثقت بعضه في كتبي وكنت آمل أن يتم تداركه في الأنظمة الحديثة، لكننا لم نر الأنظمة ولم نر التعديلات في هذا الشأن.
تعوَّدنا في الجامعات السعودية أن يرأس وكيل الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي مجلسها العلمي وأعتقد أن هذه أولى الممارسات النظامية التي جعلت غير المؤهل لهذا المنصب يرأس المجلس الأهم في بعض جامعاتنا. الشرط العلمي الوحيد لتعيين وكيل الجامعة هو كونه أستاذًا مشاركًا وحتى هذا شهدنا التفافًا عليه بالتكليف أو تسريع الترقية خارج الطرق المعتادة. أليس مؤلمًا أن يشرف على ترقيات وتعيينات أعضاء هيئة التدريس والحركة العلمية البحثية بالجامعة من ترقى لدرجة أكاديمية متوسطة بطريقة استثنائية تدور حولها الأقوال، أو ترقى ببحوث تجميعية متواضعة؟! هناك قصص تجاوزات وتدخلات وتعطيل وأدلجة، ليس المجال لذكر أمثلتها، حدثت أو تحدث ببعض الجامعات لها علاقة بالمجالس العلمية أو يفترض أن تكبحها المجالس العلمية لو كانت مستقلة وقوية. مع التأكيد على عدم التعميم.
وكيل الجامعة يتولى مهام إدارية تتمثّل في معاونة مدير الجامعة الذي يختاره أو يرشحه بناء على معايير إدارية وعلاقات شخصية. إشرافه الإداري على كلية الدراسات العليا والمراكز البحثية وبرامج الدراسات العليا والزمالات والتعليم المستمر (حسب الجامعة) وارتباطه بإدارة الجامعة والمانحين للبحث العلمي والمنفذين لمشروعات الدراسات العليا وغيرها من المهام، يجعل مصالحه متشعبة ومتضاربة وقد تؤثر في أدائه في إدارة المجلس العلمي.
لأجل ذلك أكرر مطالبتي، التي سبق أن كتبتها قبل عدة سنوات، بمنح المجالس العلميَّة بالجامعات الاستقلاليَّة التي تبدأ بالتنظيم الإداري الذي لا يفرض رئاستها من قبل وكيل الجامعة. نريدها كيانًا مستقلاً بذاته، فبعد أن يَتمَّ اختيار ممثلي الكليات وممثل طلاب الدراسات العليا، سواء كان اختيارًا مباشرًا أو عن طريق الانتخاب، يتولى أعضاء المجلس العلمي اختيار رئيس له ونائب له من بينهم بالاقتراع أو الانتخاب السري وفق نظام دوري واضح. مع عدم نسيان أن الكفاءة العلمية والنزاهة ليست حكرًا على عضو هيئة التدريس الرجل بل تشمل كذلك السيدات عضوات هيئة التدريس.
استقلالية المجالس العلمية عن الإدارة بما فيهم وكيل الجامعة وانتخاب الرئيس (ولو كان جزئيًا من ضمن الأعضاء) سيمنحها قوة إضافية وسيسهم في جعل أهدافها ومقاييس اختيار ممثليها هو القوة والاستقلالية والنزاهة وفق معايير علمية صارمة. ولست أطالب، فقط، بتغيير آلية اختيار رئيس المجلس العلمي بالجامعة وفصل رئاسته عن وكالة الجامعة، بل إن يكون مرجعه الأول مجلس الجامعة أو مجلس أمنائها مستقبلاً، حيث يُطالب بتقديم تقرير دوري مباشر لمجلس الجامعة عن أعماله وسبل تطويره وكيفية دعمه وتطويره.