د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
في عهود الإصلاح عامة يتصدر المقومون الصفوف؛ لأن التقويم عمل في منصات ما قبل العمل وما بعده، وينجح التقويم عندما يستطيع القائمون عليه نقل الواقع الموجود إلى المعايير التقويمية؛ فالتقويم من خلال تلكم المنهجية والمعايير السليمة مكافأته حتماً مجزية ونواتجه استثمار حقيقي في العقول والبيئات الحاضنة لها؛ وينبغي لنا قبل الدخول في الحديث عن بوابات التقويم السليمة أن نعي أن هناك فروقاً جوهرية بين التقويم والقياس ولكنها متصلة في قواعدها فالقياس تطبيق أداة متفق عليها للحصول على نتائج كمية.. والتقويم تعديل للواقع الذي تم قياسه لتطويره، وفي كلا المفهومين شرط بأن لا تؤدي تلك القراءات إلى خسارة تنموية بالمفهوم الواقعي.. حيث إن التقويم ترسيخ لجودة المدخلات لضمان جودة المخرجات.
وبالتقصي لكل مدلولات التقويم في مجال التعليم؛ فإنه تتأكد عندنا تلك الوشائج التي يجب أن تُبنى مع جميع نظم دعم التعلم ويجب تحويل تلك الأواصر إلى طاقات مستمرة بتكلفة معقولة لا تمتص رحيق الأمل من واقع المستفيدين؛ وتلكم هي إستراتيجية التقويم المتوازنة التي تُستقَى من ممارسات تعليمية مرتبطة بالواقع المدرسي، وليس واقع الجهات التنظيمية الذي فرضوه وأجازوه!.. فالرؤية الإدارية حول موقع التقويم من عناصر التعليم كانت للأسف غير واضحة فمنهجية التقويم بمفهومه العام يجب أن تقوم على قياسات مباشرة!! فالجميع يعلم عن تقاصر الجرعات التطويرية مقارنة بالاحتياج الكمي للبيئات التعليمية في بلاد شاسعة صُنعت فيها مدن صحراوية فأصبحت نامية.
ولذلك فإن (هيئة تقويم التعليم والتدريب) يجب أن تحضُر في شئون التعليم كلها (مُعلم، متعلم، نظام المؤسسة التعليمية، القيادات التعليمية) وأن تُصيخ لها الآذان عند صناعة القرارات الموجهة للتعليم؛ وأن يكون التقويم عملية شاملة مستمرة فإذا ما حددّنا مهمة التقويم الأساس بأنها وسيلة لتحقيق ضمان جودة المدخلات لضمان جودة المخرجات، وأن وجود التقويم ملزمٌ في العمق الداعم للتعليم، وأنه ليس فُضلة أو ترهلاً وأنه ليس غاية في ذاته يحدد مستوى الطلاب فحسب إنما التقويم وسيلة عظمى لإصلاح منظومة التعليم عامة تساعد على تعديل واقع الطلاب من الجذور؛ فإنه يلزمنا إعداد المقوّمين الذي لا يجب أن يكون لحظيا بل أكاديميا من خلال الجامعات المتخصصة.
وللاتساق والاندماج ينبغي أن يتصدر ذوو التأهيل العالي في التقويم والقياس حِلق النقاش، واللجان التربوية التوجيهية العليا والتنفيذية والبرامج والمشروعات وغير ذلك، لتكون هناك عين بصيرة تحكم فيما يُبنى من أدوات ومؤشرات ومعايير، كما أنه من ممكنات التقويم الصحيح أن يتربع متخصصوو التقويم في المكان الأول أو الثاني في الدوائر التعليمية؛ ويلزم كذلك أن يعي المشتغلون بالتقويم كل العناصر المكونة للتعليم والداعمة للتعلم.
وحتى يُحدثُ التقويم تغييراً في منظومة التعليم لابد له من صياغات جديدة لجميع متكآته من خلال ضمان استمرارية التقويم كما تستمر عمليات التعلم؛ وأن يقف التقويم على دراسات ونتائج واختبارات صادقة؛ ولذلك لابد من عناية وثيقة من ذوي الشأن بتوطين متخصصي التقويم في المدارس وفي منصات صنع المنتج التربوي بعناصره المختلفة ولعل من أبسط نوافذ الاحتياج لوجود متخصصي التقويم والقياس في المدارس هو الحكم والاحتكام لإيجاد الأسئلة الخلاقة السابرة التي تمثل الإدارة الأساسية لطريقة التدريس الصحيحة، حيث إن امتلاك المعلمين لعمليات التقويم المتفوقة مؤشر حقيقي على القدرة التدريسية، وكذلك فإن منصة متخصصي التقويم والقياس في المدارس ستكون حافزة في إدارة ثقافة الاختبارات الوطنية والدولية التي دائماً ما تُحشد لها الحشود في أزمنة الاختبارات ثم تغيب!! ولابد من نشر الثقافة الجامعة حولها ليصبح التقويم جزءاً من ثقافة المدارس والمجتمع مما يجعل الانتظام في تطبيق الاختبارات الوطنية محموداً ذا بصيرة، وكذلك يكون استقبال طلابنا للاختبارات الدولية محفزاً وفي كليهما ستكون النتائج وفيرة -بإذن الله- إذا ما كان التقويم للتعليم رفيقاً.