مفهوم القومية لدى المظلوم أو من يسانده هو:
أولاً: لا يوجد حق لأي قومية في استعباد قومية أو قوميات أخرى، فدينياً- العبودية لله وحده، واجتماعياً- لا يحق لكائن من كان استعباد فرد أو شعب أو البشر جميعاً؛ بحجة عرقية أو قومية أو طبقية أو جغرافية أو كل الحجج مجتمعة، وبالتالي الاستعباد؛ من أي نوع؛ ليس قدراً، و»الجبرية» في الإسلام وما شابهها في الأديان الأخرى، التي تفترض أن الإنسان مسيراً وليس مخيراً، هي منهج فكري لتبرير سلوك الظالم، ولا يجوز اعتبار «تعاليمها» نابعة من قناعة دينية.
ثانياً: لا يوجد مفهوم واحد للقومية أو أي مصطلح آخر، إنما مفهومان متناقضان واحد للمتسلط وآخر للمظلوم، يجري بينهما «صراع» محتدم يصل حد العنف في غالب الأحيان. وهذان المفهومان ليسا ثابتين، وهما في تناسب يختلف حسب المرحلة التاريخية.
ثالثاً: قد يفلح المتسلط صاحب الثروة ومشتقاتها الحياتية والمعرفية والإعلامية والدينية وغيرها، في إشاعة المعنى الذي يخدم أهدافه. وقد يناصره في ذلك الكثير مما يسمى النخبة، ولكن تبقى الكلمة الفصل بيد المسحوق ، الذي يغير التاريخ والجغرافيا والمجتمع والمفاهيم والمصطلحات بمسيرته.
لم يتحوّل مفهوم القومية إلى منظومة فكرية مغلقة «أيديولوجية» إلا في ظل النظام الرأسمالي، وبالذات قبل وإبان الحرب العالمية الأولى، حيث تطلّبَ تقسيم العالم بين الدول الرأسمالية؛ وإشاعة نوع جديد من الاستغلال؛ أيديولوجية جديدة؛ تكون بديلاً عن القبلية والعرقية والتبرير اللاهوتي «الجبري» للاستعباد.
الفخ الذي نصبه الرأسمال؛ بواسطة مفهوم القومية؛ وقع فيه، حيث برز «هتلر» ليفتي بأن العرق «الآري» الألماني هو أعلى الأعراق. ومن هذا المنطلق لا بد من أن تخضع جميع الشعوب؛ بما فيها شعوب الدول الرأسمالية لسلطة هذا العرق!. ولم يخلِّص الدول الرأسمالية من الاستعباد المحتوم، إلا دولة العمال والفلاحين؛ أي دولة المسحوقين. وعلى الرغم من ذلك عادت تلك الدول لزراعة «لا دولة»، تكون تحت حمايتها وتصرفها؛ ترفع العرقية إلى أعلى من هتلر وألمانيته؛ بل تمارس الإبادة الجماعية للأعراق الأخرى، اسمها «إسرائيل».
للأسف الشديد لم ينبر اليسار لفضح هذه الخديعة التاريخية الكبرى، فمواجهة المفهوم القومي التسلطي الاستعماري لا يمكن أن يتم إلا بمفهوم قومي تحرري، يساوي بين جميع القوميات والأعراق، ويواجه هيمنة الرأسمال.
** **
- د. عادل العلي