هالة الناصر
باتت مواقع التواصل الاجتماعي مرآة لمجتمعاتنا لا يمكن إنكارها ولا إنكار تأثيرها على تطورنا الفكري، ومن بين أكثر الممارسات التي أدخلتها علينا منصات التواصل الاجتماعي هي فكرة التعبير عن مشاعرنا من حزن وفرح وغضب وغيرها على وسائل التواصل، ففي بعض الأحيان أجد أشخاصًا يجتهدون بكافة التقنيات المتاحة على مواقع التواصل لاستخدامها في التعبير عن أعمق المشاعر الدفينة لديهم ونشرها ونقلها إلى متابعيهم بأدق تفاصيلها، وهو ما يدفع للتساؤل: هل «السوشال ميديا» مكان لتبادل المعلومات والخبرات ومتابعة الأخبار؟ أم أن ذلك ليس هدفه الأساسي، وأن هدفه الأساسي المشتق من اسمه «التواصل الاجتماعي» هو التعبير عن مشاعرنا بصدق؟!
الحق أن هناك صعوبة في تصديق المشاعر التي يعبر عنها البعض على السوشيال ميديا، فإن تقبلت بشكل أو بآخر أن يعبر شخصًا ما عن شعوره بالفرح لنجاحه أو تفوقه أو ربما زواجه، فإنك لا تجد الأمر ذاته عندما يعبر البعض عن الأحزان، خاصة مشاعر الحزن لوفاة الأحبة، إلا بعد التعبير عن الحزن استجداء قد يشوبه الزيف للحصول على تعاطف الآخرين؟ لا أنكر أن الإِنسان يحتاج إلى التعاطف في كثير من مواقف حياته الصعبة، بل وله الحق في أن يسعى في طلبه حتى يجد من يخفف عنه آلامه، ولكن أن يقوم بنشر هذه المشاعر على نطاق واسع بين آلاف الأشخاص ويستجدي تعاطفهم جميعًا، فإن الأمر لا يخلو من الافتعال ومجافاة الحقيقة، فالإِنسان بطبيعته يميل إلى تجميل ذاته، وعندما يجلس ليعبر عن مشاعره عبر الكلمات أو بصورة أو مقطع فيديو، فإن حرصه على التجميل سينعكس على هذه الكلمات وهو ما سيخرج لنا في النهاية مشاعر مشوهة غير صادقة يصعب التعاطف معها، الأمر يصبح مزعجًا عندما يبدأ الإِنسان في تقييم صداقاته بناء على مدى تفاعل المتابعين له مع تلك المشاعر، وهو أمر غير مرحب به على الإطلاق؛ فكثيرون سيجدون أنفسهم مضطرين للتفاعل وإبداء تعاطفهم أو فرحهم، مع تلك المشاعر التي لا يعتقدون في صدقها للحفاظ على هذه الصداقة، ما يحول السوشال ميديا للأسف في كثير من الأحيان إلى مصنع لإنتاج المشاعر الزائفة المتبادلة!