الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
الإسلام دين الأخلاق والوفاء والتعاليم السمحة، وقد أكرم المولى -عز وجل- الإنسان بالعقل والكرامة الإنسانية.
ونحن في زمن المتغيرات الحياتية المتسارعة التي طغت فيها المصالح والماديات على الإنسان، وضعفت المبادئ الأخلاقية لدى البشر ناسين أو متناسين المنهج النبوي لفضيلة الشكر، والاعتراف بالجميل لمن أسدى وقدم معروفًا، وعدم الجحود لفضله، تأكيدًا لما يحثنا عليه رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام في قوله: «من صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه».
(الجزيرة) استضافت عددًا من أصحاب الفضيلة والمختصين للحديث حول كيفية ترسيخ مبدأ الشكر وحفظ الجميل ذي القيمة الإسلامية الرفيعة في المجتمع، ونبذ صفة الجحود التي تقشعر لها الأبدان، وتتنافى مع طبائع النفوس السوية.. وكانت أحاديثهم على النحو الآتي:
إكسير السعادة
تبدأ د. سارة بنت متلع القحطاني عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت حديثها بتعريف الشكر بأنه: عرفان الإحسان، وقيل: الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع. وللشكر قوة وسر في سعادة الفرد والمجتمع؛ فهو إكسير السعادة الذي يملكه المؤمنون، والفن الذي يتقنه الناجحون، والترياق الذي يحتاج إليه الحيرى والغافلون.
فكم طالعتنا دراسات التنمية البشرية بأهمية الشكر والثناء، وضرورة ممارستهما لاستجلاب السعادة والاستقرار النفسي والفكري على المستوى الأسري أو المهني.
وللناظر أن يتأمل في العلاقة بين دور الشكر في إرساء قواعد السعادة في الدين والدنيا، والمرتبة التي يحتلها الشكر في الدين؛ ليتساءل بعد ذلك عن سبل ترسيخ مبادئ الشكر ورد الجميل ونبذ الجحود والكفران في المجتمع.
وأقول: تتجلى سبل ترسيخ هذه المبادئ على مستويين:
الأول: فردي؛ يتوجه فيه الخطاب إلى الأفراد.
الثاني: جماعي؛ يتوجه فيه الخطاب إلى المجتمع.
أ- المستوى الفردي
يترسخ مبدأ الشكر في المجتمع بطلب الآتي من كل فرد فيه:
*- طهارة القلب وسلامة الصدر واستقامة اللسان؛ فالقلب هو ملك الأعضاء، ومحل التقوى والمقاصد والنيات، وموضع نظر الرب سبحانه وتعالى؛ ففي الحديث: (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).
والقلب الحي هو القلب التقي النقي الزكي الذي يتعبد الله بصدق وإخلاص، ويتعامل مع الخلق وفق المعاني الجميلة؛ فلا حسد ولا رياء ولا كفران، بل إحسان ووفاء وحسن ظن.
ولما كان (لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم اللسان)؛ كان ما يصدر عن اللسان من كلمات الثناء والشكر والعرفان لأهله معبرًا عن صلاح قلبه وصفاء سريرته وطيب نيته.. وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان - أي تخضع له -فتقول: اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك؛ فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا).
*- حسن عبادة الله وذكره وشكره؛ فإن من حصل له مرتبة في القرب من بارئه - جل اسمه وتعالى علوًّا كبيرًا - فقد انتفى منه الشر، والقرب من الله لا يحصل بدون الإحسان في ذكره وشكره وعبادته، وإقامة حقوق التوحيد حق إقامتها. وقد قال تعالى فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ .
وفي قرن الذكر والشكر في الآية سر عجيب في كون الأولى سبب لأداء الأخرى.
*- الإيمان بأهمية الشكر والوعي بثمرته النافعة وأثره في المجتمع.
فأما أهميته فتتجلي في قول موسى بن جعفر (قلة الشكر تُزهد في اصطناع المعروف). وأما ثمرته فتتجلي في:
-أنه سبب للنجاة من المهالك، وأمان من العذاب. قال تعالى: وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ .
وقال الشاعر:
الشكر يفتح أبوابًا مغلقة
فبادر الشكر واستغلق وثائقه
لله فيها على من رامه نعم
واستدفع الله ما تجرى به النقم
-إن الشكر سبب لزيادة النعم واستمرارها؛
قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ . قال بعض السلف رحمهم الله تعالى: «النعم وحشية؛ فقيدوها بالشكر». وقال الحسن البصري: «إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء، فإذا لم يشكَر عليها قلبها عذابًا؛ ولهذا كانوا يسمون الشكر: الحافظ؛ لأنه يحفظ النعم الموجودة.. والجالب؛ لأنه يجلب النعم المفقودة».
- إن الشكر سبب لمرضاة الله تعالى؛ قال تعالى: وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ .
- إن الشكر سبب للأجر الجزيل في الآخرة؛ قال تعالى: {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}.
ب- على المستوى المجتمعي:
*-ممارسة الشكر بين أطراف العلاقة ذات المعروف؛ فإن الناس كأسراب القطا؛ يشبه بعضهم بعضا. والممارسة أو السلوك كالعدوى في انتشارها واشتهارها؛ لذا فإن ممارسة الشكر كعادة صغيرة بين أطراف العلاقات سترفع من معدل السعادة والاستقرار المجتمعي.
-فالزوجة التي تشكر زوجها وتطريه على ما يقوم به تحفزه للقيام بالمزيد، والمدير الذي يثني على موظفه حين يتقن عمله ويؤديه على أكمل وجه سيزيد من فاعلية وكفاءة موظفيه ومؤسسته، والوالدان حين يشكران أبناءهما على طاعتهما وحسن تصرفهما فإن ذلك مما يقوي العلاقة بينهم؛ فيكون الأبناء أكثر استقرارًا نفسيًّا وفكريًّا.. وقس على ذلك كل مسؤول يجزي بالشكر أداء من تحته.
*- الربط بين أداء حق الله في الشكر بأداء الشكر للناس؛ فقد قال (لا يشكر الله من لا يشكر الناس)، وقال أبو العالية الرياحي:
إذا أنا لم أشكر على الخير أهله
ولم أذمم الجبس اللئيم المذمما
ففيم عرفت الخير والشر باسمه
وفتق الله لي المسامع والفما
* -التوعية بأهمية الشكر والثناء لمن هو أهل له من خلال قنوات التوعية:A
الإعلامية، والدينية، والتربوية.. وكل من خلا مؤسساته وأدواته.
التكافؤ مطلب
ويقول الشيخ عبدالله بن محمد اللحيدان الأمين العام للجنة إصلاح ذات البين بإمارة المنطقة الشرقية: الأصل في بذل المعروف للناس يكون المطلب فيه ما عند الله كما قال تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا}. إلا أن هذا لا يمنع المستفيد أن يبذل الشكر، ويقدمه لمن أسدى إليه معروفاً، وذاك من شكر الله كما صح قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله). قال الشيخ ابن باز رحمه الله: (يعني: أن من كان من طبيعته وخلقه عدم شكر الناس على معروفهم وإحسانهم إليه فإنه لا يشكر الله لسوء تصرفه ولجفائه) أهـ. فالواجب الشكر لله أولاً، ثم لكل من صنع لك معروفاً. ومما ينبغي التنبيه عليه في مثل هذه الحال أن نقول لكل مريد شكر من ينبغي شكره: اختر للشكر ما يناسب الصنيع، وليس أقل ولا مبتذلاً؛ إذ إن توجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - يتجه نحو المكافأة كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح (من صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه). فالمكافأة بالشكر مطلوبة شرعاً، والتكافؤ بين الصنيع وما يقابله من شكر مطلبٌ مؤكد عليه؛ ولذلك جاء التوجيه كذلك مشدداً على أن يستمر المرء في الدعاء لمن أسدى إليه معروفاً حتى يتيقن أنه وصل إلى رد المعروف بالمثل أو أحسن؛ ولذلك مما ورد في الشريعة استحسان رد الدَّين مع زيادة على مبلغها دون شرط، ورد العارية بحال أفضل أو هدية معها. وإن من أسس نشر مثل هذه الفضائل في المجتمع التربية بالقدوة وبالتطبيقات العملية، وفي تعليم الأبناء أن يبادروا بشكر غيرهم صغاراً ليبادروا بالشكر المستحق لوالديهم عليهم كباراً. وإن مما يلزم التنبيه عليه كذلك هنا أن من الناس من لديه خلل في طريقة تقديمه المعروف، تجعل المستفيد لا يأبه لتقديم الشكر له لما في حال تقديمه له من الأذى، كالاستعلاء والتكبر، أو الفظاظة والتجبر، أو المنّة.. وربنا - عز وجل - يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى . ويقول سبحانه الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةيَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ . فينبغي على الباذل والمبذول له مراعاة ما يُرضي الله، ويديم المعروف بين الناس. والله المسؤول أن يرزقنا الشكر في السراء والصبر في الضراء.
القيمة النبيلة
ويؤكد الدكتور حسين الحكمي أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الملك سعود بالرياض أن
إحدى الركائز التي أتى الإسلام ليعززها هي الأخلاق الحسنة، والقيم الإيجابية التي منها إعطاء كل ذي حق حقه، والمبادرة بعمل الخير، وأيضًا الشكر والثناء والتقدير لكل من يعمل الخير؛ وذلك لغرس قيم ومبادئ شكر من يقومون بالجميل والمعروف. وفي الحديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله). كذلك قيم العروبة والأصالة تعزز هذه القيمة النبيلة، وحفظ الحقوق، ونسب الفضل لأهله.. ودائما يرى العرب أن صاحب الجميل الأول لا يمكن مكافأته ورد جميله بالشكل الكافي؛ لأنه دائمًا من بادر؛ فله الفضل، وأقل الواجب ذكر فضله أمام الآخرين، والتحدث عنه بما يليق به، والثناء على فعله. وقد قال الحطيئة:
من يعمل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس
هذه القيم والمبادئ مهم أن يتم تعزيزها ونشرها، وتربية النشء عليها. ومما يرسخ مثل هذه القيم الإيجابية الحسنة أن تربي الأسرة أفرادها وأبناءها على شكر من يقدم لهم المعروف، والثناء أمامهم على من يفعلون ذلك، وسرد القصص والأمثلة والمواقف التي يمكن أن يكون لها أثر حسن في نفس الطفل. كذلك على المدرسة دور كبير في نشر هذه المبادئ والقيم بين الطلبة من خلال المنهج الأكاديمي، أو من خلال الأستاذ عندما يتطرق لبعض المواقف التي تحصل في الحياة، ويبرزها بشكل إيجابي محبب، وأيضًا من خلال البرامج والأنشطة غير الصفية بحيث يتم غرس هذه القيم بشكل غير مباشر. وكل هذا يحتاج إلى دعم ومساندة من وسائل الإعلام بمجالاتها كافة بأن تبرز المواقف الجميلة، وتقدير أعمال الآخرين أيًّا كان جنسهم أو جنسيتهم أو لونهم في حياتهم وبعد مماتهم.
ومن المواقف التي انتشرت وبرزت لما لها من أثر كبير، ولكون حجم التضحية عاليًا، ما قام به البطل الشهيد فرمان خان الذي سعى لإنقاذ الناس في السيول التي اجتاحت مدينة جدة عام 1430هـ حتى أن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد وجَّه في زيارته الأخيرة لباكستان ببناء مركز صحي باسم فرمان في إقليم خيبر بختونخواه، الإقليم الذي نشأ وترعرع فيه الشهيد، وهذا مما يعزز ويرسخ مثل هذه القيم النبيلة.
عمل المعروف
ويشدد الأستاذ أديب بن أحمد صقر المستشار ورجل الأعمال على أهمية كسب قلوب الآخرين بطيب الكلام، وجميل الاهتمام، وصدق الالتزام، وحسن المعاملة. والإنسان عليه تعويد نفسه على محبة الخير للجميع في زمن المتغيرات وحب المصالح، والتعاون على البر والتقوى، وعمل المعروف أينما كان الإنسان؛ إذ إن صنائع المعروف تقي مصارع السوء.
ويقولون «صنع المعروف لا يرد أبداً». والنفوس الطيبة تستطيع أن تُخجلها بأيسر معروف، والنفوس الخبيثة لو أشعلت لها روحك لتضيء طريقها ستُشعرك بأنك ما زلت مُقصّراً بحقها. والمنهج السليم هو: «من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له».
وخير الدعاء «جزاك الله خيرًا».. وجاء في الحديث:
«من لا يشكر الناس لا يشكر الله». ولصانع المعروف نقول:
باختصار شديد جداً، إذا عملت معروفـاً فلا تنتظر شكراً من أحد، ويكفيك ثواب الواحد الصمد، وثق تمامًا بأنه لن يضيع أبدًا.
فعمل المعروف نوع من المعاملة مع الله قبل أن يكون معاملة مع الخلق.
وكذلك يجب على صانع المعروف أن يستصغره، ولا يتبعه بالمن والأذى.
اللهم اجعلنا ممن إذا أحسن أخلص وستر، واحتسب الأجر وصبر، وإذا أُحسن إليه اعترف وقدّر وشكر.. ... وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ .
رد الجميل
ويشير الأستاذ سعود بن علي الثبيتي المدير العام لصحيفة الغربية الإلكترونية ومؤسسها إلى أن فضيلة الشكر التي ينبغي أن يتحلى بها كل مسلم لا تتوقف عند تقديم الشكر لكل من قدم لنا خيراً أو صنع لنا معروفاً، بل الحرص على رد الجميل، والحفاظ على العلاقات بالثناء، والمحافظة عليها بالوفاء والعرفان لذلك الشخص، وصلته بالمعروف.
وقيمة الشكر لها منزلة كبيرة، وأهمية بالغة لدرجة أنها إذا لم تتحقق في علاقات الناس بعضهم مع بعض فإنها بالتالي لا تتحقق في علاقة الإنسان بالله. وهذا الربط بين الموقفين (شكر الناس وشكر الله) يحتاج هنا إلى وقفة، نتأمل فيها هذه القيمة المهمة، ودورها في حياة الناس، والمسلم على وجه الخصوص.. و(من لا يشكر الناس لا يشكر الله). وديننا الحنيف حث على المعروف، والشكر لمن يستحق الشكر، ونهى عن نكران الجميل.. وهي من الأفعال التي تحافظ على التواصل المجتمعي في ظل الإسلام المليء بالمواقف المشرفة لرفعة الإنسان بتطبيق تعليماته الإنسانية.
التأثير العجيب
وتؤكد الأستاذة عائشة بنت عطية الأنصاري سيدة أعمال أن الشكر والاعتراف بالجميل مبدأ إسلامي راقٍ، يفيض بمعاني الحب والتعاون والترابط.. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله). ونحن نردد ذلك كثيراً، وليتنا نعي معانيه العميقة. والمعنى العميق يتمثل في أهمية الشكر في حياتنا، وأنه من أسباب رضا الله ونعمه علينا، ودوره في تقوية أواصر المحبة والترابط، وما له من تأثير عجيب في التحفيز لمزيد من العطاء والبناء والنجاح.. فهي كلمات بسيطة، تصنع بها سعادة، وتزرع من خلالها بسمة، وتجني من ورائها الخير.. بعكس الجحود الذي يمثل (الأخذ دون العطاء)، ويتبناه من تعودوا على أن تكون أيديهم هي السفلى، لا شكر ولا تقديم عرفان.
تعزيز الجوانب
ويوضح الأستاذ عثمان بن عبدالله آل عثمان مشرف الجودة وقياس الأداء بتعليم الأفلاج أن ديننا دين اتباع، وليس دين ابتداع؛ لذا فاستلهام ما كان عليه أسوتنا وقدوتنا رسولنا الكريم، ومن بعده صحابته الأجلاء، هو خير معين على تشبث الأمة بأصيل القيم وسخي المبادئ. إن تربية النشء منذ نعومة أظفاره على وجوب الإيفاء بالحقوق والواجبات المرعية لأهلها وذويها المستحقين لها شرعًا وعرفًا مدعاة للوصول لحالة من الرضا والطمأنينة، وانشراح الصدر، وهدوء البال، تسود المجتمع من أقصاه إلى أدناه؛ ليعيش بعدها أفراده وشرائحه المتباينة وهم في أهبة الاستعداد الكامل على التعاون والتآزر والتلاحم في جو حافل مشبع باحترام الآخر أيًّا كانت ميوله ومقاصده، دون إقصاء وتجنٍ وتسلط وعتو.. وتبقى البرامج والمشاريع التفاعلية المنفذة بأسلوب شيق بعيد عن الرتابة والتقليد الأجوف رافدًا مهمًّا لتعزيز الجوانب الإيجابية، وتدعيمها حتى تبلغ محلها وموئلها الأجدر بها.
نعمة الشكر
وتقول الأستاذة ريم بنت عبدالعزيز آل فريان المستشارة القانونية عضو هيئة المحامين السعوديين:
من أسباب حفظ النعم وزيادتها الشكر؛ فبالشكر تدوم النعم. كذلك الأشخاص يدومون ويزيدون بالعطاء.. والشكر هو المجازاة على الإحسان، والثناء الجميل على من يقدم الخير والإحسان.
والواجب على من أُسدي إليه معروف أن يشكره بأفضل منه، أو بمثله. وقد تعددت أساليبه بانتقاء عبارات الشكر والثناء، وبالهدايا المغلفة بالشكر والعرفان، وبالدعاء.
فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعطي عطاء (وفي رواية: من صُنع إليه معروف) فوجد فليجز به, فإن لم يجد ما يجزيه فليثن عليه، فإن من أثنى فقد شكر, ومن كتم فقد كفر».
وجاء في كتاب «البصائر والذخائر» لأبي حيان التوحيدي عن أحد السلف: (نعمةٍ لا تُشكر كسيئةٍ لا تُغفر). واعلم أن شكر النعم نعمة تحتاج إلى شكر.