د. عهود سالم
تعلمت مؤخرًا أن أنظر للحياة كلعبة، وأن أتعامل مع كل ما تضعه الحياة في طريقي بعقلية لاعب. وكلما زادت احترافية اللاعب، زادت قدرته على الاستمتاع باللعبة دون التفكير كثيرًا في النتائج، ولا فيمن يلعب ضده، متيقنًا في قرارة نفسه بأنه لاعب لا يخسر. فإما أن يربح اللعبة، أو يربح أصدقاء أو طرقًا جديدة في اللعب. هذه الفلسفة تولدت لدي في مرحلة عمرية من حياتي، وجدتني محاطة فيها بمجموعة أشخاص لا أنسجم معهم. وقتها، لم أكن أعرف كيف لي أن أتعامل معهم؟ كيف أنصفهم وكيف أنصف نفسي منهم؟
وفي أثناء تأملي للموقف، بحثًا عن خطة للخروج من المأزق. وجدتني أعود بذاكرتي لأيام الطفولة، عندما كنت ألعب مع أحد أشقائي لعبة السلك المعدني والحلقة. فكرة اللعبة تتلخص في أن تمرر بيد ثابتة الحلقة في السلك دون أن تلمسه، وإن حدث فستسمع صوتًا، وسيُطلب منك البدء من جديد. هذه اللعبة تحتاج إلى قدر كبير من التركيز على الهدف، والتوازن أثناء تمرير الحلقة حتى تتم المهمة بنجاح. ضحكت حينها، وأدركت أن القدر أسعفني بفكرة مفادها أن أدخل للموقف بعقلية لاعب، وأن أتعامل مع الأشخاص كتحدٍ لطيف، أختبر فيه توازني وقدرتي على التركيز دون أن اصطدم معهم. أنا حقيقة لا أحتاج أن أغيرهم، بالقدر الذي أحتاج فيه أن أتعلم التوازن بينهم. فمن حولي ليسوا أعداء. هم أشخاص جاءوا ليلعبوا دورًا جميلاً في حياتي، لا يختلف عن دور السلك في اللعبة، واصطدامي بهم يعري نقص مهاراتي أكثر مما يعريهم. وكلما تعقد السلك زاد جمال اللعبة.
خلاصة القول، كلنا وضع القدر في حياته أشخاص، يُجيدون الضغط على الأزرار الخاطئة. يجيدون استفزازنا، ويدفعوننا للبحث عن طرق للتخلص منهم، كتغير بيئة العمل أو حتى تغير الأشخاص نفسهم. لنكتشف بأنه كل ما حاولنا الهرب منهم، فسيحيطنا القدر بأناس على شاكلتهم، ولكن بملامح وأسماء جديدة، ليبدأ صراعنا من جديد. الجميل في الموضوع أن هذا الصراع لن ينتهي إلا بتوقفنا عن الهرب، ومواجهة الحقيقة في أننا لا نحتاج أن نغير أحدًا، بقدر ما نحتاج أن نغير تفكيرنا. أن نواجه الحياة بصبر وهدوء لاعب محترف. أن نستعيد زمام الأمور، وندرك بأننا نملك القوة في تبسيط الموقف وتوظيفه للنهوض بأنفسنا. هذا كله لن يحدث إلا بتقبل الفكرة بأن الكون يحمل لنا رسائل، يرسلها على شكل أشخاص، لا يمكننا الهرب منهم. وجاهزيتنا لتعلم الدرس هم من سيخلي لنا الطريق في المستقبل. فعندما تتغير القناعات، تتغير الحياة للأفضل.