عماد المديفر
أتابع حديثي في هذه المقالة حول نماذج قرونيق المعيارية الأربعة التي تصف الممارسة في العلاقات العامة: (الوكالة الصحفية، والمعلومات العامة، والاتصال غير المتوازن ثنائي الاتجاه، والاتصال المتوازن ثنائي الاتجاه) ثم ما تبعه من اكتشاف لنموذجين آخرين.. هما نموذج «المترجم الثقافي» ونموذج «التأثير الشخصي»، وكيف أن هذين النموذجين وإن جرى تكييفهما ضمن النماذج الأربعة الأساسية، كونهما يدخلان تحتها ضمناً، من حيث الهدف أو شكل الاتصال، إلا أن فيهما تميزاً عن النماذج السابقة في أسلوب الاتصال، الأمر الذي حدا بقرونيق وفريقه إلى القول بضرورة التحليل المتعمق لهذه النماذج مجتمعة (الأربعة الأولى، والاثنان الإضافيان)، لا سيما في ضوء الانتقادات التي وجهت لهذه النماذج من قبل العديد من الباحثين؛ وأنه حان الوقت للانتقال «إلى مرحلة أكثر عمقاً، تتجاوز وصف أساليب ممارسة العلاقات العامة في أربعة نماذج» إلى الأبعاد التي تعد منطلقاً لنماذج الممارسة جميعها، فتوصلوا بعد سلسلة أخرى من الدراسات التحليلية إلى «أبعاد أربعة» لوصف ممارسات العلاقات العامة في البيئات المختلفة، متمثلة في:
شكل الاتصال (اتجاه واحد - اتجاهان): حيث الاتصال أحادي الاتجاه يكون من المنظمة إلى جماهيرها دون الاهتمام برجع الصدى، ولا حتى القيام ببحوث علمية لمعرفة أثر رسائل العلاقات العامة في الرأي العام المستهدف، وغالباً ما يعتمد هذا الأسلوب على الدعاية السلبية التي لا تقيس أثر برامجها، في حين يتميز الاتصال ثنائي الاتجاه عن سابقه في كونه يهتم برجع الصدى، وتواصل الجماهير مع المنظمة إذا ما تقدمت بشكاوى أو مقترحات، إنْ عبر البريد الإلكتروني أو العادي أو الفاكس أو الهاتف، كما تهتم بالتفاعل مع جمهورها عبر وسائل الاتصال الرقمية أو بالاتصال الشخصي، ذلك عدا عن الدراسات والبحوث المتعلقة بالجماهير، واستطلاعات الرأي العام، قبل وأثناء وبعد برامج العلاقات العامة.
تأثير الاتصال ومدى توازنه (متناسق - غير متناسق): يسمى كذلك (أسلوب التغيير المتكافئ أو المتوازن- أسلوب التغيير غير المتكافئ أو غير المتوازن)، وقد تعرض هذا البعد أو هذا المتغير تحديداً إلى كثير من النقد، لاسيما في مفهوم «التوازنية» أو «التكافؤ»، وأنه من غير الواقعي القول بأن المنظمات والكيانات القوية ستكون على درجة متساوية مع الجمهور في عملية الاتصال، والقابلية للتغير على حساب مصالحها وأهدافها.
وسيلة الاتصال (اتصال شخصي - اتصال عبر وسيط اتصالي): حيث الاتصال الشخصي غالباً ما يكون وجهاً لوجه وبدون وسيط، فتنفد برامج العلاقات العامة وفق هذا الأسلوب بشكل مباشر مع الجمهور كالاجتماعات والمحادثات الهاتفية، فيما يكون الاتصال عبر وسيط اتصالي يتم عبر وسائل وسيطة كوسائل الإعلام الجماهيري، أو تطبيقات الانترنت.
الأخلاق: ويُعنى بالتزام المنظمة بالشفافية والدقة والأمانة عند اتصالها بالجماهير، والتقيد بمبادئ العلاقات العامة الأخلاقية وأخذها في عين الاعتبار.
وزاد بعض الباحثين بعداً خامساً حول المسؤولية الاجتماعية، وأرى بأن البعد الخاص بوسيلة الاتصال، يعد بعداً تكتيكياً أكثر من كونه بعداً استراتيجياً كما هي الأبعاد الثلاثة الأخرى، إذ يمكن لحملات العلاقات العامة ذات المخطط الاستراتيجي الواحد والموحد أن تستخدم في إيصال رسائلها إما الاتصال الشخصي أو عبر وسيط أو كليهما في نفس الوقت، أو حتى بالتناوب بحسب ظروف كل برنامج، وأهدافه وطبيعة جماهيره، ومكانه وزمانه والبيئة المنافسة، وبالتالي فمن غير المقنع وضع بعد تكتيكي بجانب أبعاد استراتيجية. إلا أن مجرد صياغة هذه الأبعاد بهذا الوضوح كان مهماً للتحرر من النماذج في الدراسات التطبيقية، والخروج بنظرة أكثر شمولية، من خلال توفير أدوات قوية بدرجة أكبر لقياس أنشطة العلاقات العامة، تقلل من الانتقادات المنهجية الموجهة لمقاييس النماذج. إلى اللقاء.