فهد بن جليد
على بعد أيام قليلة من شهر رمضان المبارك، علينا استذكار كيف كانت هذه الأيام أرضًا خصبة لجهود الطيبين والمحسنين من أبناء مجتمعنا، ممَّن يسعون للإصلاح بين المتخاصمين قبل حلول الشهر الفضيل، وهي حالة اجتماعية تنشط في الأسر، وأوساط العمل، وبين الجيران والأصدقاء والمعارف، ولكنَّها مع الأسف بدت تخف حتى إنني شخصيًا لم أعد أسمع تلك المبادرات التي كنتُ أعيشها واسمع بها وأنا أصغر سنًا، في الآونة الأخيرة أصبح التدخل لإصلاح «ذات البين» بين المتخاصمين من أصعب المهام وأندرها، هذه المهمة التي ينبري لها عادة من شرفت نفوسهم وصفت أرواحهم اختفت من المشهد الاجتماعي -أو تكاد- إلاَّ عند نفرٍ قليل، وكأنَّنا نعود «للأنانية المقيتة» والنأي بالنفس عن أي خصام، حتى بين أقرب الأقربين بحجج واهية، يُردِّدها المفلسون على طريقة «لا أريد خسارة أي طرف» بينما الحقيقة أنَّنا جميعًا خاسرون بمثل هذا الخصام، فهذا الجبن كما أراه ليس من أخلاق الفرسان ولا من صفات المشائين بالخير والإصلاح بين الناس، ومن لا يُدرك خير إصلاح ذات البين خصوصًا في مثل هذه الأيام التي تسبق شهر الخير، فاته الكثير.
لا أرتدي عباءة المرشد أو الناصح -ولا أدَّعي ذلك- ولكنَّه همُّ اجتماعي أردت أن نتشاركه ونتفاكر فيه جميعًا، فأفضل الصدقة إصلاح ذات البين، وما عُمِل شيء أفضل من الصلاة وصلاح ذات البين، الذي هو حاجة ومطلب اجتماعي، ولعلِّي لا أذيع سرًا إن أخبرتكم ونقلاً عن خبراء ومُحترفين في هذه المهمة الإِنسانية والأخلاقية الجليلة، أنَّ ذلك من أسهل الأمور التي تحقق نتائج فورية، فمعظم الخصومات في مجتمعنا أسبابها تفاهة ولا تكاد تذكر، وكل طرف لديه قبول واستعداد للتنازل ونسيان الأمر، ولكنَّ وهم الكبرياء هو ما يمنع المبادرة بالتسامح، ما يؤكد طيبة النفوس وصفحها وسرعة تفاعلها بمجرَّد أن يحضر المبادرون، فقط جرِّب ذلك مرَّة وستشعر بجمال وصفاء نفوس من حولك.
إن كنتُ أتحدث عن معنى الأخوة الصادقة في الإصلاح بين الناس في مثل هذه الأيام وعظم الأجر والمثوبة، فكيف يمكنني وصف من يمشون بالإفساد وإشعال نار الخلاف والفتنة مرتدين ثياب الناصح أحيانًا، والناقد أحيانًا أخرى، والعارف والناقل..إلخ من الأساليب والحيل التي لم تعد تخفي أو تنطلي على أحد، مع الأسف مثل هذه السلوكيات يتفكَّهُ بها في المجالس من يتفكَّه، ويتزينُ بها عند المتخاصمين من يتزين، نشاهدها ونسمع بها ولن تختفي ما لم نبادر جميعًا للوقوف في وجه مرَّوجيها لنقول لهم باسم مجتمعنا الطيب: إذا لم تستطع ردم الهوة، فلا تزد الحفرة اتساعًا، حتى لا تكون أول من يسقط فيها؟.
وعلى دروب الخير نلتقي.