د. خيرية السقاف
الأشياء الصغيرة، والكبيرة تغيَّر طعهما..
تغيَّر لون الشروق، سكب الغروب على محيّاه سترته وانزوى في جوف الليل يبتهل..
الضحى فَقَدَ هجوعه، ما عاد هديل اليمام ينوح على غصن، ولا على حافة جدار متهالك
لون القديم الغائر في الشجن هو الآخر انصقل تاركاً رائحته في نسيج الطلاءات المتغيَّرة..
العصر لا قيلولة فيه فأكوام الأحذية الرياضية استعمرت الأقدام..
الطرقات موحشة من فرط الغربة فالوجوه المختلطة غريبة عن بعضها..
أسوار بيوت الأحياء صلبة كحيطان السجون العازلة عن النور،
عالية ليس بها ارتفاع مشبعة عن الصلة بالامتناع..
عارية من الدفء، مشاعة للشتات..
الخميس اليوم الذي كان لها وحدها في بوح اليراع ضاعت تفاصيله في البكرة تدور..
ذائقة الناس للطعام، للكلام، لشهوة التيه في فراغ يعج بالفراغ..
تغيَّر ملمس الأشياء، حتى قراطيس الورق تفوح منها رائحة الشح،
يعمِّرها تصحُرُ يبابٍ نقضَ في زحفه الخضرة، وأقام عمارَ الخريف في الغوغاء..
تغير الكتاب، والصحاب، والعطر، والسّفر..
وتلك الأسئلة على قارعة السأم تتمرد آيبةً بلا إجابات..
المتاه موغلٌ في الخسارات، منذرٌ للحسرة فرائسَه، ووهمَ الكثرة..
الأمنيات تغيَّرت كالعناكب تتسلَّق وهن الخيوط،
كالظل تحترق خضرته بلهيب الخواء..
مكامن الاطمئنان امتدت إليها زعانف الأقنعة..
أي كذبة ضخمة تستثمر ضمائرَ الأشياء حتى النابض فيها بروح؟!
قلتُ للعصافير الفجرية: لمِ تتململين في أعشاشك؟..
ألا تزالين سيرتك الأولى مع الفجر، والشجرة، ورشفة الماء، وقطعة الثمرة؟!
والفضاء النقي الذي تقصدين في غدوِّك، ورواحك؟!.
أجنحتك إلى أين؟..
ألا يزال الدرب لكِ سماوياً منفرجاً لا حدود لمداه؟!..
ألا تزال عيونك إلى الشجرة وطبق الماء،
ولا غير الانطلاق؟!..
يا لبراءتك يا عصافير،
أنتِ الوحيدة فجرية لا تدركين ما تغيّر!!
تغرّدين، وتغنين، وتشجينني..
فانثري بهجة عابرة، علَّ شيئاً وحيداً لا يتغيَّر!!..