مها محمد الشريف
استطاعت الولايات المتحدة أن تجذب العالم للقيم السياسية كالديموقراطية وحقوق الإنسان وممارسة الحريات، ولكنها تغض الطرف عن حقوق الدولة الفلسطينية وتقدّم معايير مزدوجة وحالات تناقض وانعدام تجانس في قراراتها مع القانون الدولي، ومحتوى لا يتوافق مع المواثيق الدولية، بل يعتبر ازدراءً ليس في محله أصاب العالم بصدمة مطلقة لا علاقة لها بالسياسة.
فكيف نعبّر من نظام قديم لعالم جديد؟ يمتلك نظاماً سياسياً يسمى الدستور تأسس بطريقة دقيقة وواضحة، حيث مكث المؤسسون الأوائل لأميركا عدة سنوات في مناقشة الدستور ووضع بنوده، وهنا تكمن الصورة السائدة له بأنه نظام فدرالي يعتمد على الأعمدة التقليدية الثلاثة: «التشريعي (الكونغرس) والتنفيذي (البيت الأبيض) والقضائي (المحكمة العليا).»
فهل الزعامة الأمريكية يحق لها شرعنة قرارات أحادية لا تعترف بمجلس الأمن الدولي بكامل مسؤولياته؟ والرئيس الأمريكي ترامب تجاهل هذه الأهمية وضرب بها عرض الحائط. لا شك أن دولة مثل أمريكا من حيث الفوارق والتنافسات تتفوّق في نتائج المقارنات والإحصاءات والامتيازات وكفاءة الاقتصاد الحقيقي، تنحاز مع دولة ضد أخرى.
لكن، في حين تتغيّر المراحل ويسجّل التاريخ الحديث ضبابية الدور الأمريكي في القضايا الدولية من نواح سياسية، فإن المسؤولية حيال ما يجري تمييز في الحقوق والواجبات لإسرائيل، ويشكّل ذلك ظلم كبير لفلسطين والعرب، من هنا، بدأت الجهود العربية تتوحّد وتطرح المطالب على طاولة النقاش وتسجّل رفضها التام لشرعنة الاحتلال على أرض فلسطين والجولان.
وبذلك نستطيع القول إن مسيرة القيادة السعودية وحرصها على توازن العلاقات مع الدول العربية في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، جاءت هذه المهام في مقدمة المشهد العام في قمة تونس الـ30، وكل ذلك يستدعي الاهتمام والإلمام واتخاذ موقف موحّد من القادة العرب في القمة لحل مشكلات التدخلات من إيران وتركيا وإسرائيل وحل الصراعات التي عصفت بالمنطقة ووضع حد فاصل بين الأطماع وصناعة الأزمات التي تؤكّد أن نظاماً عالمياً جديداً قد بدأ.
الموقف الرافض كافة التدخلات وما تحمله من أطماع ومخططات عكست تشنجات سياسية وأسهمت في تحقيق أهداف إسرائيل وإيران وحليفتيهما تركيا، وقال أمين جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط: «بعبارة واضحة إن ظرف الأزمة هو حال مؤقت، وعارض سيزول طال الزمن أم قصر.. أما التعدي على التكامل الإقليمي للدول العربية ووحدتها الترابية، فهو أمر مرفوض عربياً بغض النظر عن المواقف من هذه القضية أو تلك».
لكن أكثر ما يقلق الغرب هو أن فلسطين توحّد العرب برفضهم القدس عاصمة لإسرائيل وكذلك الانتهاكات التي تمارس ضد الفلسطينيين، ورفضهم أيضاً سيادة إسرائيل على هضبة الجولان، فلم يعد ربط عودة سوريا بما يحدث على الأرض ولا إسقاط النظام أو تنحي الرئيس، بل عودة اللاجئين بسبب الأدوار الأخرى على أرض سوريا، وكانت أهم محاور البيان الختامي للقمة العربية 30 التي انعقدت في تونس، هو الحرص على روابط الوطن العربي.
وبهذا المعنى، فإن من غير المقبول تحويل المنطقة العربية مسرحاً للتدخلات الخارجية وتحويلها إلى ساحة قتال وتوترات وصراعات ومظاهر التشتت، وتسريع وتيرة الإصلاحات الشاملة، والأخذ بعين الاعتبار بمبادرة الرئيس السبسي حرصه على تسمية القمة قمة العزم والتعاون وأجده تعبيراً صادقاً عن عهد جديد يحمل الأمل والتفاؤل.
وعلى الدول العربية تحميل المجتمع الدولي خطر الانتهاكات للمقدسات وتقسيمها وإغلاق باب الرحمة ومطالبة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بإيقاف الاعتداءات الإسرائيلية وإيقاف اعتراف العالم بالقدس عاصمة لإسرائيل باعتباره إنكاراً للحق الفلسطيني، وتهميشاً لدور الأردن في حماية القدس الشريف، والوقوف صفاً واحداً ضد القرار الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
فالأمر الواقع من دولة عظمى واعترافها بسيادة إسرائيل على أراض محتلة فهو بذلك يقضي على المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، فهل يحق لنا أن نعلّق جرس الإنذار على جدار السياسة الدولية إيذاناً بالخطر البالغ بقدوم قانون الغاب والدور الذي سلّمنا به للقانون الدولي في مجلس الأمن قد توقف عن العمل.