د. عيد بن مسعود الجهني
سألني كثيرون سؤالاً محدداً هل من حق أية دولة في المنظومة الدولية الاعتراف بأحقية دولة محتلة بضم أرض محتلة لتصبح صاحبة السيادة على تلك الأراضي؟
هذا السؤال القانوني وجه لنا عندما أعلن سيد البيت الأبيض مستر ترامب اعتراف بلاده بسيادة الدولة العبرية على هضبة الجولان السورية، وحقيقة الأمر أن قرار الإدارة الأمريكية في التكييف القانوني هو نفسه ذلك القرار للسيد ترامب الذي أهدى القدس لإسرائيل كعاصمة لها ونقل سفارة بلاده إلى المدينة المقدسة.
وطبقا للقانون الدولي والأعراف والشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة في مسألتي القدس الشريف والجولان، تعتبر تلك القرارات والإجراءات سواء من قبل إسرائيل أو دولة أخرى كماما أمريكا باطلة بطلانا مطلقا.
وهضبة الجولان صاحبة الموقع الإستراتيجي التي احتلتها الدولة الصهيونية في شهر يونيو 1967 (حرب الأيام الستة) (السوداء) على العرب تبلغ مساحتها (1200) كيلو م2، وموقعها الإستراتيجي خاصة في حالة الحرب ذو شأن كبير، لارتفاعها الذي يمنحها الرؤية بالعين المجردة لدمشق ناهيك عن الشمال الشرقي لفلسطين المحتلة.
الجولان لها قصة مع الأمم المتحدة ومجلس أمنها، ففي عام 1981 قرر الكنيست الإسرائيلي من خلال ما أطلق عليه (قانون الجولان) ضم هذا الجزء من الأراضي السورية إلى الإدارة الإسرائيلية وأطلق عليها مسمى (الضم) ومنذ ذلك التاريخ المشؤوم تعمدت إسرائيل التعامل مع الهضبة وكأنها جزء من محافظة الشمال الإسرائيلي.
وما في جعبة الأمم المتحدة ومجلس أمنها سوى إصدار القرارات التي تدين إسرائيل، لذا أصدر مجلس الأمن قراره رقم (497) تاريخ 17 ديسمبر 1981، دعا إسرائيل إلى إلغاء قرار الضم، واعتبار قرارات إسرائيل بالضم والإدارة والولاية ليست ذات أثر قانوني، وهذا القرار للمجلس يأتي ضمن سلسلة القرارات التي أصدرتها المنظمة والمجلس منذ عام 1967 التي تحظر احتلال الأراضي بالقوة وطالبت إسرائيل بالانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة.
وإذا كان القانون الدولي والأعراف والشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة التي اعترفت بإسرائيل عام 1948 على أرض العرب وجاء الاعتراف الأمريكي كلمح البصر بعد (11) دقيقة من إعلان الأمم المتحدة، وهي إسرائيل التي خرجت من رحم وعد (بلفور) البريطاني (اللئيم) لتصبح طفلا ولد ببريطانيا ونشأ أمريكيا على أرض فلسطين (بالقوة) جميع القرارات ضدها تصبح حبرا على ورق قبل ميلادها.
وإذا كان السيد ترامب بشهامة أمريكية وقف مع صديقه الحميم المجرم نتنياهو وهو يواجه انتخابات حامية الوطيس في إسرائيل قد تسقط (عرشه) فهب إليه داعما قويا ليستقبله في البيت الأبيض، وقبل أن يحط رحاله في ذلك البيت الذي يحكم العالم، أعلن ترامب اعتراف بلاده بسيادة إسرائيل على الجولان السورية. ويأتي هذا الإعلان واليهود يعقدون مؤتمرهم السنوي في بلاد العم سام ونتنياهو جاء ليضرب عصفورين بحجر شاكرا للرئيس ترامب ولحضور المؤتمر، ولم يترك فرصة وهو في ضيافة السيد ترامب ليعلن (كذبا) أن اليهود أصحاب الجولان منذ آلاف السنين.
إذا جاء دور هضبة الجولان بعد القدس الشريف ولتمثل إحدى هدايا أمريكا للدولة العبرية من أراضٍ عربية، لا تملك فيها إدارة ترامب ذرة واحدة، كل هذا رغم أنف الدول أعضاء الأمم المتحدة بما فيها الدول الأربع الأخرى صاحبة حق (الفيتو) الذي له ما عليه من سلبيات قد تخرج من رحمها حرب ضروس عالمية بسبب صراع الدول الخمس خاصة روسيا وأمريكا على اقتسام النفوذ في العالم.
نأتي الآن إلى الأمر الأهم وهو أن المجتمع الدولي من خلال مجلس الأمن في قراره السابق الذكر (497) لعام 1981 رفض كل قرارات وإجراءات إسرائيل بشأن الجولان، وهذا تطبيقا لمبدأ القانون الدولي وميثاق المنظمة الذي يرفض الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، وتبقى تلك الأراضي مهما طال احتلالها تابعة للدولة أو الدول صاحبة الحق الأصلي في السيادة على أرضها المغتصبة، وهذا ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة السيد انطونيو غوتيرس فور إعلان السيد ترامب قراره.
وإذا حددنا هذا المفهوم طبقا لما جاء بيانه مختصرا فإن القرار الأمريكي الأخير بشأن الجولان السورية يصبح عديم الأثر القانوني، فليس من حق دولة أن تمنح دولة أخرى حق السيادة على أراضي دولة أخرى، وهي تعلم أن تلك الأراضي محتلة.
وبناء على ذلك فإن مثل هذه القرارات طبقا للقانون الدولي وميثاق المنظمة ومجلسها تعتبر باطلة بطلانا مطلقا لافتقادها للفاعلية القانونية على الصعيد الدولي فأعضاء المنظمة غير معنيين بمثل هذه القرارات، وهذا كان ولا زال واضحا في مواقف دول العالم الرافضة لذلك القرار ومنها الاتحاد الأوربي والدول أعضاء مجلس الأمن غير أمريكا والجامعة العربية والدول الإسلامية وغيرها.
إن العارف بمجريات الأحداث الكبرى على أرض الوطن العربي منذ سايكس بيكو ووعد بلفور وميلاد إسرائيل والمخططات الجهنمية ضد الأمة العربية من خلال مشاريع خبيثة منها مشروع اليهودي برنارد لويس البريطاني الأصل الأمريكي بالتجنس الذي قدم مشروعا (أسود) للكونجرس الأمريكي عام 1983 ومما جاء فيه ضم جزء من لبنان لإسرائل ومصطلح مشروع الشرق الأوسط الجديد في مضمونه الخفي إحلاله محل مسمى الوطن العربي، ومشروعي القدس الشريف وهضبة الجولان لا يخرجان عن أهداف مرسومة مسبقا على غرار سايكس بيكو نشم رائحتها اليوم على أرض الديار العربية.
ولا بد هنا من الإشارة إلى أن عائلة الأسد فرطت في الجولان على مدى أكثر من عقود أربعة (بل باعه الأسد الهالك) ولم تحرك ساكنا يوما بإطلاق رصاصة واحدة تجاه المحتل الإسرائيلي للجولان، رغم دعم الدول العربية ماديا وعسكريا، وبدلا من ذلك وجه النظام السوري الذي أطلق على نفسه (دولة الممانعة) وكان الأحرى مسمى (دولة المماحكة) آلته الحربية ومعه روسيا وإيران وحزب الله إلى صدور الشعب السوري ليقتل مليونا ويجرح أكثر ناهيك عن مئات الآلاف من المعاقين ويشرد أكثر من نصف الشعب من أجل السلطة.
واليوم أصبحت بلاد الشام عاصمة الدولة الأموية (41 - 132) محتلة إيرانيا، روسيا، تركيا، أمريكيا، فرنسيا وغيرها.
وفي هذا الخضم المتغير في عالم قانون الغاب، وجد السيد ترامب ضالته ليعلن سيادة إسرائيل على الجولان.
لكن يبقى التاريخ في دروسه وعبره.. يؤكد أن الدول تمرض، ولكنها لا تموت.
فقد يأتي إلى سدة حكم سوريا من يعيد لها مجدها وتاريخها الناصع وعزتها وكرامتها.
وتعود الجولان ويغادر الغزاة والطغاة.