د. فوزية البكر
تمثل الدراسات العليا قمة الهرم التعليمي لأي مؤسسة جامعية عريقة فهي التي تخرّج الباحثين وهي التي تهيء أعضاء هيئة التدريس في الحقول المختلفة كما أنها المخزن الذي يمد المجتمع بالقيادات التربوية وبالمتخصصين المهنيين في شتى المجالات.
وتقوم الدراسات العليا على قواعد عديدة منها البرامج المطروحة في الأقسام المختلفة ومنها أعضاء هيئة التدريس في تلك الأقسام ومنها الطلبة الدارسون الذين يعدون واسطة العقد في تلك المنظومة بشغفهم ومهاراتهم العلمية والبحثية والتي تنبئ عن نوع المعرفة المستقبلية ومنها البنية التحتية والكوادر الفنية المساعدة لبعض التخصصات خاصة العلمية إضافة إلى النقطة الأهم وهم أولئك الجنود المجهولون: الإداريون والإداريات الذين يسهلون الصعاب وييسرون الفعاليات واللجان والأوراق والمناقشات إلخ من الأعمال الإدارية التي لا يمكن لأي برنامج أن ينجح دون وجود هذه الكفاءات الغير بيروقراطية التي تسعى بأن تكون الميسر وليس المعقد.
ويمثل الأستاذ الجامعي (أستاذا ومشرفا) محوراً أساسياً لا يقوم البرنامج مهما كانت جودته إلا على كفاءته وقدراته العلمية والبحثية وتمثل العلاقة بين الطالب ومشرفه أحد القضايا الحساسة التي يخشى الطالب دائما من تداولها لكنها (كما أرى) موضوع مهم يؤرق كل من التحق ببرنامج للدراسات العليا في أي جامعة كانت.
معظم ما كتب عن علاقة المشرف بطالبه يدور حول ما تشير له الأنظمة واللوائح من مواد تحدد طبيعة عمل المشرف الأكاديمي وتحدد واجباته وطبيعة الدور الإشرافي له.
لكن ما أود الإشارة إليه هنا هو توقعات الطلبة عند تحديد المرشد لهم في بداية رحلتهم لكتابة رسائلهم، هذا المرشد الذي يتحول تدريجيا إلى مشرف بموافقة لجنة الكلية ثم الدراسات العليا على خطة الطالب البحثية.
فالطالب يتساءل: ما هي حقوقي بالضبط؟ هل سأجلس مع المرشد (المشرف) الساعة المقررة كما لو أنه يدرسني أم أن وقت الساعة يتمدد عبر الأسبوع برسائل الواتس والاتصالات الإلكترونية إلخ؟
ماذا أتوقع؟ أن يرد علي مباشرة حين أكلمه؟ أن يقرأ ما أرسله له في ذات اليوم أو خلال فترة قصيرة؟ ماذا أتوقع بالنسبة لتوجيهاته؟ هل سيوجهني فعلا بشكل يساعدني على التطور في الرؤية لموضوعي وفي معالجته منهجيا؟ وإذا كانت الطالبة فتاة ومرشدها رجل: كيف تتواصل؟ ومتى تتواصل وكيف لا تقتحم عالمه وكيف.. وكيف والأمر يصح حين تكون المرشدة أستاذة لطالب (وهذا نادرا ما يحدث حيث لم يصبح تقليدا حتى الآن في جامعات المملكة أن تشرف امرأة على رجل إلا في حالات قليلة).
في البداية لا بد أن نضع في أذهاننا الحقائق الأساسية التالية: المشرف والطالب كلاهما بشر وتتأثر العلاقة بينهما بطبيعة كل منهما الشخصية والمزاجية فقد يكون الطالب حريصا جدا في حين تعلم المشرف وبعد خبرة طويلة في الإشراف ألا يركض جاهدا في كل مرة. قد يكون المشرف ذو طبيعة حادة نسبيا أو لنقل أنه لا يمتلك مهارات تواصلية بالدرجة التي يتطلبها موقعه كمشرف وهذا قد يؤثر على الرسائل التي يتلقاها الطالب سواء بشكل مباشر أو غير مباشر فحركة اليد أو عدم الابتسام أو التأخر في الرد قد يفسر من الطالب بطرق عديدة في حين قد لا يعدو ردة فعل للأستاذ بعد خروجه من اجتماع صاخب!
كذلك لا تقل مدة الإشراف عن فصل دراسي إلى سنة وقد تمتد إلى سنوات وهذا يجعل العلاقة التي قد تكون كثيرة وربما (صاخبة وقلقة) في بداية الإرشاد ثم الإشراف وتدور حول اختيار الموضوع وكتابة التصور ثم كتابة الخطة ومناقشتها إلخ وبعدها تبدأ العلاقة في الهدوء حين يجد الطالب طريقه وقد صار أكثر وضوحا من حيث مشكلة الدراسة والأطر النظرية والمنهجية العلمية التي سيتبعها وطرق كتابة الفصول ورصد الجداول إلخ.
ما أود قوله هنا هو أن يعرف الطالب أن له حقا يجب أن يأخذه وأنه لا يزعج المرشد أو المشرف عند الاتصال فهذا عمله حيث إن الإشراف يحتسب للأستاذ ضمن ساعات جدوله وأن يحرص على مكالمته في أوقات العمل خصوصا وحتى بعد ذلك إذا اضطر الأمر لكن عليه أيضاً أن يكون مهتماً وحريصاً وواضحاً في احتياجاته فإذا كنت قلقاً وخاصة بشأن تحديد الموضوع وتشذيبه ليصلح لرسالة ماجستير أو دكتوراه مثلا فاحرص على التواصل لكن ما العمل إذا لم يخدمني مرشدي في هذه الفترة الحرجة ولم يتجاوب معي؟ هل يحق لي طلب تغييره وكيف؟
المساحة لا تسمح: تقرأونني الأسبوع القادم بإذن الله.