{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} إن من سنن الله عزَّ وجلَّ أن هذه الحياة لا تدوم ولا تصفو لأحد مهما كان، يتقلّب المرء بين أفراحها وأحزانها، يذوق من حلوها ومرها، والسعيد من وطَّن نفسه لذلك وأدرك أن لا عيش هنيئاً إلا عيش الحياة الآخرة.{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
الموت حق وهذه سنَّة الله في خلقه، ولكن فقدان الأحبة وأصحاب السير الحسنة والأخلاق والعظام له تأثير كبير على النفس، ونحن افتقدنا المغفور له محمد عبدالكريم بن إبراهيم الجراده يوم الاثنين الموافق 22-5-1440هـ عن عمر يناهز 56 عاماً إثر سكتة قلبية مفاجئة، وصُلي عليه بعد صلاة العصر من يوم الثلاثاء الموافق 23-5-1440هـ بالجامع الكبير في مدينة المجمعة ودُفن في مقبرة المجمعة.
نعم، الموت حق، والنفس المطمئنة ترجع إلى ربها راضية مرضية مطمئنة، لكننا ونحن نودع في هذه الحياة العزيز الغالي صاحب الصفات الحسنة والسيرة الحميدة.
إن الموت حق وكلنا سائرون في هذا الدرب ولكن خير البشر منا من تبقى ذكراه خالدة بأفعاله وأعماله الصالحة الخيِّرة، وهكذا كان ذلك فعله في الأعمال الخيَّرة - طيَّب الله ثراه.
ولد في مدينة المجمعة 1-7-1384هـ، وكان متقاعداً من عمله في مصلحة المياه في المجمعة.
فالحديث عن خصال ومحاسن ومزايا فقيدنا الراحل العزيز يحتاج إلى صفحات كثيرة لذكرها، ولكن نكتفي ببعض منها لأفعاله وأعماله الخيّرة النبيلة التي تُذكر فتُشكر فإن ذلك هو الدليل الدافع له لحبه للعمل الصالح والمكانة التي كان يتمتع بها طوال حياته - رحمه الله رحمة واسعة، لقد شهد لهذا الإنسان البعيدون قبل القريبين بالمواقف الإنسانية النبيلة التي خلفها وراءه.
أقول: إننا فقدنا رجلاً عطوفاً شفوقاً باراً لا يعوَّض، وفقدنا إنساناً قلّ أن يجود الزمان بمثله.. إنني مهما قلت وكتبت فلن أوفيه جزءاً يسيراً من حقه، إنه رمز للوفاء والشهامة وحب الناس وحب الناس له وحبيب مقرَّب من الجميع وعاشق لأعمال الطاعة لا يبحث عن سمعة أو رياء، يعمل الخير ولا يريد إلا جزاء رب العالمين. باختصار رجل متواضع بشوش لطيف المعشر سلس الحديث.
عاش حياته في بيت صلاح وتقى وعبادة وكان إنساناً شهماً متواضعاً لطيفاً ابناً وأخاً للكبير وأباً للصغير.. صديقاً للجميع طيَّب المعشر ليِّن الجانب كيِّس فطن، صاحب حنكة وبصيرة ثاقبة لا يمل مجلسه وحديثه، بيته وقلبه وأذنه مفتوحة للجميع من حبه للناس وحب الناس له وحبه لتواصل مع الجميع.. يتألم لما يُؤلم الناس ويفرح لهم بما يُفرحهم، محل ثقة وتقدير من الجميع ومن يعرفونه كان ينصح بنصح المحب ومحبة الناصح.
وهو الرجل الذي أود أن أسطِّر بعض كلمات الوفاء والعرفان بحقه ولا أظنها ستفي فهي ليست إلا جهد المقل، إنه ذلك الذي عُرف بين الناس دائماً بأنه حكيم كبير الهمة صريح صدوق لم تغيِّره الأيام والليالي ولم تنل من همته السنون، بل هو في الواقع من زيَّنها بعطائه وحكمته ووفائه وتفانيه وإخلاصه وبشاشته، إنه الذي أجزم أن كل مَن عرفه - حتى ولو لبعض الوقت - يتفق معي أنه قد تملك فيه جانباً من مودة خالصة وإعجاباً عميقاً، بالطبع كثير هم أولئك الرجال الذين نلتقيهم في مراحل حياتنا ونعايشهم ولكن قليل هم أولئك الذين يتركون في أنفسنا ذلك أثر الوفاء بحيث يبقى وجودهم فينا راسخاً نتعايش معهم في تجاربهم وحكمتهم ورؤيتهم.
نعزي فيه أنفسنا ومن فقده ممن أحبوه وأحبهم، وجميع أسرة الجراده، وأخص بالعزاء أبناءه، الأستاذ عبدالكريم والأستاذ خالد وفهد وعبدالله والأستاذ ناصر وعبدالرحمن وبناته عفاف لطيفة نورة منيرة، وزوجته وأشقاءه الأستاذ إبراهيم والأستاذ عيسى والأستاذ سليمان وشقيقاتهم وصديقه الأستاذ عيسى الجراده، وجميع أقارب الفقيد وجميع محبيه وأصدقائه وجيرانه، سائلين الله أن يلهم الجميع الصبر والسلوان، ورحمه الله رحمة واسعة ورفع درجاته يوم يلقى ربه وأسكنه فسيح جناته وعوض الجميع خيراً.. آمين.
فإن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا لله ما أخذ ولله ما أعطى ولا حول ولا قوة إلا بالله. أنت خلقتنا ولك محيانا وإليك مماتنا لا راد لقضائك وقدرك يا رب العالمين.. وإنا على فراقك يا أبا عبدالكريم لمحزونون
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعونَ).
** **
- د. فهد بن عبدالرحمن السويدان