عبدالوهاب الفايز
الآن نتذكّر باعتزاز كيف نجحنا في مواجهة الاٍرهاب، فقد جاء النجاح ثمرة لوقوف المجتمع السعودي الحازم مع الأجهزة الأمنية لمواجهة شرور الإرهاب واحتوائه، ودخول المجتمع كاملاً في المواجهة أمر ليس غريباً، فقد أدركنا جميعاً أن الإرهاب يتهدّد السلام الاجتماعي، ويستهدف (وجودنا)، ويسعى لتخريب كل ما أنجزناه في مسيرة التوحيد والبناء.
أيضاً نتذكر كيف نجحنا في الاحتواء السريع لظاهرة مسابقات (مزايين الإبل)، فمع خروج هذه المسابقات إلى مسار مهدّد لمقومات الوحدة والسلام الاجتماعي، تدخلت (الحكمة السياسية) لولي الأمر لتضع هذه المسابقات تحت راية مؤسس الوحدة الوطنية حتى يتذكر الناس تاريخ بلادهم وتضحياتهم لإنجاح وإنجاز الوحدة.
الآن نحتاج رصيد النجاح هذا في جبهة لا تقل خطورة على السلام الاجتماعي، ونقصد هنا تدهور سلوكيات القيادة في الشوارع، وبروز حالة (العنف في السلوك)، الناتج عن الإحساس بغياب العدالة في الطريق. نخشى أن نتقبل التعايش مع هذا الوضع السلبي، سواء في القيادة أو في التعبير عن ردود الفعل على تداخلات القيادة ومفاجآت الطريق.
أول من لمس حالة العنف هذه المرأة التي بدأت ترى صورة أخرى للسلوك لم تكن تدركها، عندما كانت بعيدة عمّا يجري في مسرح شوارعنا المفتوح لسلوكيات سلبية مخيفة يمارسها البعض، ممن تولّدت لديه قناعه: أن له حقاً مطلقاً في الطريق! ومؤشر الإنجاز لديه هو: أن يركب سيارته ويصل مقصده بدون توقف وبأية طريقة، فهؤلاء لا يعرفون من النظام سوى الوقوف عند الإشارات الحمراء، أما غير ذلك.. فـ (الأمر فيه سعة)، إنها سلوكيات لا تليق بِنَا!
تدهور سلوكيات القيادة نرى المؤشرات الواضحة عليه من ارتفاع نسبة المخالفات المرورية لأكثر من 220 % في العام الماضي مقارنة بعام 1438هـ حيث سجلت 38 مليون مخالفة مرورية، (وهذا ما تم تسجيله فقط، ومع الجوال القادم أعظم!). أيضاً ثمة مؤشر آخر وهو ارتفاع أعداد الوفيات والإصابات، والمملكة سجّلت أعلى معدل وفيات ناجمة عن الحوادث المرورية من بين دول مجموعة العشرين بعدد 28.8 وفاة لكل 100 ألف نسمة وبإجمالي 9031 حالة وفاة، ومنظمة الصحة العالمية تضع الحوادث المرورية في مقدمة الأسباب لوفاة الأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و29 عاماً، متجاوزة أمراض نقص المناعة البشرية والسل. والمنظمة تصدر تقاريرها السنوية حول سلامة المرور لدفع الحكومات إلى المزيد من العمل السياسي لاحتواء مخاطر غياب السلامة المرورية.
هذه المؤشرات تؤكد أننا نواجه وضعاً صعباً حرجاً يحتاج التحرك المؤسسي المستدام. وهنا نرى ضرورة تحويل (الإدارة العامة للمرور) لتكون (الهيئة الوطنية للسلامة المرورية)، وهذا الجهاز الجديد دعت لإنشائه الإستراتيجية الوطنية للسلامة المرورية التي أقرّها مجلس الوزراء في العام 2014م، ومع الأسف لم تقم، لذا بقيت أمور السلامة المرورية بعيدة عن المعالجة الوطنية الشاملة، وهو ما أقرَّته إستراتيجية السلامة المرورية. الإدارة العامة للمرور قامت بدور كبير وإيجابي عندما كانت المتغيّرات المؤثّرة على القيادة والسلامة محدودة، ولم تتوسع مدننا بشكلها الحالي الذي يضعنا أمام وضع معقد للحياة في المدن الكبرى، ويضعنا أمام أمور تمس (السلام والأمن الاجتماعي).
من واجبنا أن نتخوّف من رؤية شوارعنا ميداناً مفتوحاً للعنف بسبب غياب الإدارة الحازمة والذكية للطريق. الحكومات مسؤولياتها (تربية) الناس على السلوك الحضاري الذي ينبع من القيم والأخلاقيات ومن (هيبة الأنظمة). لذا، وجود جهاز متخصص ومتفرِّغ ولديه المظلة الوطنية والدعم السياسي ضروري حتى نعالج الخلل والتشوّهات في مدننا نتيجة لغياب هندسة المرور والنقل، ونتيجة لغياب متطلبات السلامة الضرورية بشكل واسع، وليس مجرد بضع لوحات مرورية لا أحد ينتبه لها، ولا أحد يهتم بصيانتها!
لو سألنا عينة ممن يقودون السيارات عن أهم اللوحات والإشارات التي يلتزمن بها، فغالباً سوف يتذكّرون (5) أشياء ترتبط بقانون المرور، وليس بأمور تخص السلامة في الطريق!
بعد النجاح في الحرب على الإرهاب.. الآن يجب أن ننجح في السلامة المرورية. القيادة في شوارعنا أصبحت تجربة مخيفة، لم نعد نشعر بالأمن!