م. خالد إبراهيم الحجي
الماء مادة فريدة ولا يوجد لها بديل أو شيء آخر يمكن أن يحل محلها، والماء لا يمكن الاستغناء عنه؛ لأنه أساس الحياة لجميع الكائنات الحيَّة. وتحقيق التنمية المستدامة يتطلب الأمن المائي المستدام الذي عرَّفته الأمم المتحدة بأنه (التأمين المؤكّد لنوعية المياه المقبولة والكمية المناسبة للصحة والعمل والإنتاج والتنمية وجميع سبل المعيشة، إلى جانب حدٍ معقولٍ من الأمان والسلامة في السعي إليها أو الحصول عليها).. والمياه نادرة جداً في المناطق الصحراوية التي تقل فيها الأمطار، ولا توجد فيها بحيرات أو أنهار تعوِّض كميات المياه التي يتم استنزافها من الآبار، فينخفض مستواها إلى أعماق بعيدة، وتزيد ملوحتها بدرجة كبيرة، فتفقد صلاحيتها للاستخدام، وبعضها الآخر يجف ماؤها وينضب نهائياً. واليوم أصبحت تحلية مياه البحر لا مفر منها، وضرورة ملحة؛ لأنها أفضل الحلول وأكثرها أهمية لتحقيق الأمن المائي؛ للتغلب على النقص المتزايد في حاجة الشعوب والدول للمياه العذبة. وقد توقّعت شركة (تكنولوحيا المياه) نمو سوق تحلية المياه العالمي بنسبة (7.8) في المئة سنوياً على مدى العشر السنوات القادمة. كما توقّع موقع (ريسيرش نت) أن يصل نصيب دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى نسبة (54) في المئة من مقدار النمو في سوق التحلية العالمي.. وأكثر من نصف محطات تحلية مياه البحر موجودة في الشرق الأوسط الذي يحتل المركز الأول بنسبة (53) في المئة من مجموع أعدادها على مستوى العالم، ويليه أمريكا الشمالية بنسبة (17) في المئة، ثم آسيا بنسبة (11) في المئة، ثم أوروبا بنسبة (10) في المئة، ثم إفريقيا بنسبة (6) في المئة. وهناك أربع دول تأتي في المقدمة عالمياً من حيث الطاقة الإنتاجية لتحلية مياه البحر وهي على الترتيب: المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، والصين.. وتعاني جميع دول الخليج العربي من الفقر المائي الشديد وندرته، وتشترك بعضها مع بعض في مواجهة تحدياته، وبذلت جهوداً كبيرة وأموالاً طائلة في الاستثمارات الضخمة والإنجازات الكبيرة لتحقيق الأمن المائي. وتمتلك المملكة العربية السعودية (27) محطة تحلية وهو أكبر عدد في العالم، وأكبرها في الطاقة الإنتاجية اليومية محطة رأس الخير على الخليج العربي التي يزيد إنتاجها على مليار متر مكعب من المياه المحلاَّة، وتليها محطة الشعيبة على البحر الأحمر وطاقتها الإنتجية (880) ألف متر مكعب، ثم محطة رأس الخير الثانية بطاقة إنتاجية قدرها (800) ألف متر على الخليج العربي.. ودولة الإمارات الثانية في الترتيب العالمي من حيث الطاقة الإنتاجية لم تكتف بإنشاء محطات تحلية فقط، لسد حاجتها من المياه المحلاَّة، بل أنشأت أيضاَ مشروعاً رائداً لأكبر خزان جوفي في العالم في الطبقة الصخرية الطبيعية تحت رمال صحراء الربع الخالي بين الإمارات والسعودية في منطقة ليوا في أبوظبي، ويتكون الخزان من (200) بئر عمق الواحدة منها (80) متراً ومجموع سعتها يبلغ (26) مليون متر مكعب، لتكون مخزوناً مائياً احتياطياً يكفي احتياجات المواطنين لمدة تسعين يوماً، لاستعادته واستخدامه في حالات الطوارئ.. ويتضح مما سبق أن نصيب دول الخليج العربي من محطات تحلية مياه البحر كبير جداً، وحجم الاستثمارات فيها ضخم، ومن المتوقّع زيادتها بسبب النمو السكاني المستمر وشدة الحاجة إليها، وزيادة الطلب عليها؛ لذلك حان الوقت إلى أن نسعى بجدية إلى تطبيق البرامج الدراسية المتعلّقة بتقنيات تحلية مياه البحر في الكليات، وفتح التخصصات المناسبة لها في الجامعات، وتشجيع مراكز البحث والتطوير للدخول في سباق تكنولوجيا صناعة تحلية مياه البحر، وتطوير المنتجات القديمة، وابتكار منتجات جديدة، وجذب أصحاب رؤوس المال للاستثمار في صناعة محطات تحلية مياه البحر، وتركيبها وتطويرها إلى الأفضل بما يلبي حاجات الحاضر، ويواكب متطلبات المستقبل.
الخلاصة:
يجب علينا السعي الجاد والمستمر لرفع نسبة المحتوى المحلي من المواد المحلية والصناعات الوطنية تدريجياً في إنتاج محطات تحلية مياه البحر حتى يتحقق وضع اسم دولة المنشأ عليها مثل عبارة صنع في السعودية.