يوسف المحيميد
رحل الفنان الكبير عمر النجدي، ولا يزال صوته يرن في أذني، وهو يجيب على اتصالي من شقته في القاهرة قبل سنتين أو أكثر، كانت رائحة المكان، وصوته الصباحي الثقيل، الذي لا يخفي صوت عبدالباسط عبدالصمد في الخلف، حيث الطمأنينة التي بثّها في روحي وقتذاك، إلى درجة أنني رأيته من شرفته المطلة على الشارع، بينما ألوانه تغمض في سكينة صباحية قبل أن يوقظها لرحلة جديدة مع بياض الكانفاس.
تحدثتُ معه قليلاً عن لوحاته وإبداعه الطويل، وتمنيت أن أزوره في مرسمه الحميم لولا ظروفه الصحية، فكان ابنه الدكتور إسلام خير وسيط لرحلة ومتعة بصرية مذهلة في جاليري يضم أهم أعماله وإبداعاته، وأسلوبه الذي يحمل عراقة ما، عكَسَ من خلاله البيئة الشعبية المصرية، وأحلام المصريين البسطاء، وهو الذي قضى أكثر من نصف قرن دارسًا ومبدعًا ومعلِّمًا، فلم يكتفِ بما تعلَّمه من أساتذته الذين تشرَّب منهم بداياته الجادَّة، وعلى رأسهم أحمد صبري، وإنما درس في أكاديمية الفنون الجميلة في فينيسيا بإيطاليا، وتعلَّم استخدام معظم الخامات، فهذا العمل الدؤوب والصبر والشغف هو من صنع التجربة العميقة لمبدع لوحة سراييفو، إحدى لوحاته الرائعة والمتنوِّعة التي قدَّمها في أكثر من خمسين معرضًا شخصيًا، معظمها بين القاهرة وباريس.
وقد لا يعرف البعض أن هذا الفنان الراحل مر هنا، في العاصمة الرياض، حين درَّس في كلية التربية بجامعة الملك سعود في الثمانينات، وأقام معرضًا شخصيًا في فندق إنتركونتننتال الرياض عام 1985، وغيره فيما بعد من الفنانين المصريين والعرب، مثل الدكتور عادل ثروت، الأستاذ المشارك بقسم التربية الفنية بجامعة الملك سعود عام 2007، وقبل ذلك التشكيلي العراقي عامر العبيدي الذي درس في الطائف خلال السبعينات من القرن الماضي.
رحم الله الفنان التشكيلي الكبير عمر النجدي، الذي رحل وبقيت لوحاته في المتاحف والمعارض والمنازل، شاهدةً على أن فنانًا عبقرياً مرَّ، تاركًا ألوانه الخالدة، ورؤيته العميقة.