عبده الأسمري
كم هو الفرق بين استيقاظ على فجر نابض بالطموح وآخر مكتظ بالروتين وكم التباين بين إشراقة كانت تتحين عناق «الورق» في صحيفة أو كتاب جائل أو حتى ورقة تحتضن حكمة مكتوبة بخط يدوي بريء ملصقة على جدار مهمل أو حائط مدرسي وبين أخرى حاضرة تقتضي الإذعان في «مسح» ترهات السخافة أو «محو» مهاترات النقاش في جدال قروبات «واتس أب» فارغة من الحكمة أو نقاشات «حوار تقني عقيم»..
البون شاسع بين ثقافة متوارثة لا تزال تعتمر عقولنا ونحن نزينها بالابتكار والتجديد، وبين أخرى تستورد كل شيء وتوظف الغباء وتصدر الرديء وتنشر السخيف.
لدينا داء يرسم خطوطه ليشكل ملامح «الانهزام» في معاقل النهار ويغير وجه الليل الهادئ بفوضى «الهزيمة» فنجد أننا نعيش حاضرا يجثم على «الذات» ونستلم نتيجة يوم غامض عصية على «الثبات».
الثقافة سلوك عيش وأسلوب تعايش متى ما تم توظيف وجهها المشرق وتم تدعيم الجانب المضيء منها لنقله إلى جنبات التعايش مع معطيات التعامل ومعاملات التعاطي مع اتجاهات الحياة..
لقد باتت الثقافة البائسة في بعض مناحي الحياة «تكرار» و»تشابه» و»تلقين» و»تطابق» ينثر إيحاءات «التقليد» وينشر إيماءات «التقيد» وسط مصادرة لحرية الفكر المختلف والنظرة المغايرة والتي غادرت «مرابع» المنطق لتستقر في أنفس تكتظ بالعتاب وتمتلئ باللوم على هذا الوجه العابس للمجتمع المتشبث بالتنافس «الأرعن» في التفاهات المخجلة المنصبة على تصوير «فناجين الشاي» والتباهي بـ»صحون» الولائم واستعراض حتى «أكياس» الماركات الفارغة من الأغراض!!.
نستيقظ فنرى أجهزتنا مليئة بإرشادات مكررة عن نصائح بالغة قي التعقيد وملصقات مضحكة وصورا للصباح تتناقل بنسخ بئيس لتعطل أوقاتنا بالحذف في حين يتعاقب الوقت على نكت سخيفة أو موضوعات مخجلة أو قوائم مستنسخة للأقوال أو الأمثلة أو الحكم لنظل تائهين وسط هذه الثقافة التي اعتزلت الانتفاع وعزلت النفس عن النفع.
وإن أردنا اكتشاف جزء من معايير التعاطي المجتمعي والتفاعل الاجتماعي سنجدها في ردود الأفعال الصادرة عن المجتمع ضد أي قضية أو موضوع والتي تكشف «الأقنعة» عن الوجوه الحقيقية لتعطي الصورة الواضحة كاملة المعاني عن «توجهات» الثقافة لدينا والتي أصبح الدخيل منها والمؤرق فيها «داء» ينثر سمومه وسط انساغ الأرواح ويجهز لصناعة «فرق» متكاملة من «الجهلاء» الذي سينثرون غبار السفه على محيطات «الثقافة» الأصيلة.
ما بين داء خفي يبث سمومه في مفاصل حياتنا وتفاصيل أفكارنا يجب الحذر منه ودواء فكري يسمو بالعقول ويرتقي بالفعل والقول يجب أن تكون جرعته مضاعفة في قلوبنا نحن سائرون بين متضادين متعاكسين «لا يستويان مثلا» يجب التفريق بينها والنهل من معين الثقافة الإيجابية والبعد عن بؤر الأخرى السلبية.
وحتى نكون منصفين ومثقفين ومتفقين علينا أن نقاوم «عصيان» تقنية تشوه خطوط ثقافتنا الراقية الواعية المتينة بخربشات «السفاهة» وسوءات «الفكاهة» التي باتت نسخا واستنساخا حتى ظلت «بؤسا» يحاصرنا ويرمينا في دوائر «التوجس».. ويجب أن نعي أننا محاطون بسياج من «العاهات» الفكرية التي تود أن تتربص بنا الدوائر حتى تكون أجيالنا مطبوعة على النقل والتناقل دون إبداء الرأي وإعطاء الرؤية.
وسط هذا البحر اللجي المتلاطم الأمواج بين ظلمات «الجهل» ومظالم «العزلة» وظلم «العزة بالإثم» ارتفعت معدلات الخلاف واحتدت مواجهات الاختلاف وتعالت أصوات «الجهلة» واعتلت صيحات «المرجفين» التي يجب أن يوضع بينها وبين السمو الأخلاقي والرقي الثقافي «برزخ» عازل لتكون الصورة واضحة لكل قادم نحو هذه المساحات حتى يرى «البون» وحتى يميز ويفرق بين داء يتربص بالعقل ودواء ينعش الروح. ليعرف الفروقات بين ثقافة هزيلة دخيلة وبين أخرى نبيلة أصيلة ليكتشف السخرية المتنقلة والفكاهة المتعددة والبهرجة المتناقلة ويكشف التوعية المتبادلة والمعرفة المتشاركة والمعاني المستفادة بين ثقافتين تمثل السوء في كفة والسواء في كفة أخرى.