أ.د.عثمان بن صالح العامر
للصراع والصدام والتدافع العالمي اليوم وجوه عدة أبرزها على الإطلاق بل الجذر لها جميعا هو التدافع الثقافي بين ثقافة ذات صبغة عالمية أو يراد لها أن تكون كذلك وثقافات وطنية مختلفة تدافع عن خصوصايتها العقدية الفلسفية، الأيديولوجية/ الفكرية والتاريخية واللغوية والمجتمعية وطبيعتها المحلية ذات الأثر الثر ما أمكنها ذلك.
ومع إن الأحداث السياسية والعسكرية التي حدثت أواخر القرن العشرين المنصرم وأوائل هذا القرن كانت تحمل معها رياح التغيير الشمولي في ظل ما عرف إبان تلك الحقبة الزمنية بالنظام العالمي الجديد، أو الأمركة، أو العولمة، إلا أن الثقافات المضادة استطاعت أن تعيد اكتشاف ذاتها وترتب بيتها الثقافي من الداخل ليتسنى لها المحافظة على وجودها المعنوي المرتبط بتراثها الثقافي، وتعزيز فاعليتها الحضارية ذات البعد المادي المعروف.
والمملكة العربية السعودية ليست بمنأى عن تداعيات هذا الأحداث الصدامية التي قد لا تكون منظورة للعامة بشكل عام وإن كان أثرها ملحوظ للجميع، ولذا فقد أصدر سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في شهر رمضان العام الماضي أمره الملكي الكريم القاضي بإنشاء وزارة مستقلة للثقافة تنقل إليها المهام والمسؤوليات المتعلقة بنشاط الثقافة وعُين صاحب السمو الأمير بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود وزيراً لها، وبعد أقل من عام وعلى وجه التحديد الأربعاء الماضي أعلنت هذه الوزارة الفتية الهامة عن 27 مبادرة ضمن رؤيتها المنبثقة عن رؤية المملكة 2030 والمتماشية مع برنامج التحول الوطني 2020، وغطت هذه المبادرات جميع اتجاهات النشاط الثقافي، وذلك من أجل تمكين كل المنتسبين للمجال من ممارسة إبداعاتهم وتوفير منتج ثقافي متميز.
إن من أولويات الفعل الثقافي الجاد الساعي إلى المحافظة على هويتنا الثقافية الوطنية تحديد المفاهيم وضبط المصطلحات خاصة حين يكون محل المنازلة العالمية الفضاء الثقافي الرحب، وكذا تحديد المرجعية الثقافية للمثقف السعودي المنتمي لتراث الوطن الثري المتسم بالتناغم والتنوع والتجانس والانسجام، كما أن مشاركة جميع الأطياف الثقافية ومن مختلف مناطق المملكة وباختلاف الأعمار والميول ومن الجنسين في الفعل الثقافي ومناشطه المختلفة وألوانه وأطيافه المتعددة يحقق الوحدة الثقافية ذات التنوع الإيجابي الذي يسجل لوطننا المعطاء، ومن أراد شاهداً على ذلك فليقرأ في ثقافة مناطق المملكة الشعبية، ومتى استطعنا أن نلملم أطراف ذاتنا الثقافية الشعبية والرسمية فإن الانفتاح على الآخر والتبادل الثقافي مع الغير والتواصل مع العالم برؤية عقلانية وأفق واسع مطلب ملح في عصرنا الحالي، ولذا فإن ما أعلنه سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الأمين إبان زيارته لجمهورية الصين الشعبية من ضرورة التبادل والتعاون الثقافي بين الثقافتين يلقي على المؤسسات الثقافية والمثقفين السعوديين مسئولية مواصلة ما تم، وتوسيع الدائرة التواصلية مع مختلف الثقافات البشرية من أجل فعالية ثقافية سعودية/ عالمية، ونحن أهلاً لذلك.
لقد حاولت جاداً معرفة تفاصيل المبادرات التي أعُلن عنها في حفل التدشين حتى يتسنى لي الكتابة عن علم بما خلف العناوين ولكنني فشلت، ووجدت العزاء في كلمة معالي الوزير صاحب السمو الأمير التي أعطت الإجابة عن كثير مما في الخاطر من تساؤلات، وبشرت بغد ثقافي مشرق بإذن الله، شكراً من القلب لكل من عمل من أجل مستقبل وطني رائع ومتميز وإلى لقاء والسلام.