د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
كنت من ضمن من قللوا من قيمة الإرجاف من قيادة المرأة أو خروجها للعمل قبل أن تعلن الإصلاحات التي منحت المرأة من حقوقها كاملة، ومكنتها من لعب دورها الصحيح في المجتمع. وكان منطلقي الأساس هو ثقتي الكاملة في أخلاق وثقافة شبابنا السعودي الذي حاز نصيبًا وافرًا من التربية والتعليم. وقد عبرت مؤخرًا الكاتبة الكويتية الصريحة فجر السعيد عن دهشتها الكبيرة ليس فقط من الانفتاح السريع في مجتمعنا بل وفي انضباط شبابه وشاباته، وذلك بعد حضورها لحفل الفنانة أحلام في مركز الملك فهد الثقافي في الرياض. والرياض، التي هي بحسب رأيها هي المدينة الأكثر محافظة في المملكة، تتغير بلا شك بشكل سريع ومدهش، وشبابنا دائمًا ما يكونون عند حسن ظننا.
إلا أن ما أود أن أذكره هنا هو أن شبابنا في غالبيته يتربون تربية حسنة على أخلاق أسرهم وقبائلهم ومجتمعهم، رغم أن البعض يدرج التفاخر والهياط سواءً الأسري أو القبلي من ضمن معايير تنشئة الشباب. بل إننا وللأسف نجد البعض يعود أطفاله وهم صغار في السن على التفاخر القبلي بشكل مبالغ فيه يكون أقرب ما يكون للهياط، ويحاول زرع قيم ومبادئ لديهم كانت مهمة في عصور خلت من غير رجعة، عصور التناحر والاقتتال بين القبائل في المملكة. تتضخم ذواتهم وينظرون لمن حولهم وكأنما هم في حالة صراع نفسي مع من يختلف عنهم. فتجد أطفالاً ومراهقين يعتمرون أسلحة بيضاء وأسلحة نارية ويرددون أشعارًا تنطوي على التفاخر والتهديد لأعداء مفترضين أو محتملين. ويترجم ذلك بشكل غير مباشر في انتشار بعض الجرائم المترتبة على هذا الهياط والتفاخر وحيازة الأسلحة ومحاولة إبراز الشجاعة. بعض الجرائم تصل إلى حد القتل الطائش يرتكبها في بعض الأحيان شباب في مقتبل العمر ولأسباب تافهة، ثم وبأسلوب التفاخر ذاته يتولى بعض أفراد قبائلهم وأسرهم استجداء ديات ضخمة لفديتهم من القصاص. وأنا أوكد أن هذا التصرف هو نوع من الافتداء وليس عتق رقبة كما يردد بعض تجار الدم الذين يحاولون إضفاء صفة دينية على هذه العملية، أما البعض الآخر فيساق للقصاص وهو في مقتبل عمره ويكون خسارة لأهله وذويه.
الجريمة، أو العنف كانت وستسمر جزءًا من المجتمع الإنساني بنسب متفاوتة جغرافيًا وزمنيًا، وهي تقل بدرجة كبيرة في المجتمعات التي تعلي قيم التسامح والاختلاف، وتزداد في المجتمعات الذي يكثر فيها الهياط والتقليل من شأن الآخرين لأي سبب كان. أي أن هناك عوامل مجتمعية تتدخل في تحديد معدلات جرائم العنف.
ولكن ما يجمع عليه الكثير من العارفين بالأمور هو أن حمل السلاح لغير سبب مقنع ليس مظهرًا من مظاهر الشجاعة بل على العكس من ذلك هو مظهر من عدم الإحساس بالثقة في النفس. والتعدي على الآخرين بالعنف ليس مظهرًا من مظاهر الرجولة أو الشهامة. معروف عن القبائل العربية أنها كانت تمتلك السلاح والعتاد للدفاع عن النفس فقط، وحروبها في السابق كانت حول أمور لها مساس بوجودها كندرة الطعام، أو قلة المراعي. ولكنها رغم كثرة حروبها كانت تلتزم بأقصى درجات المروءة حيال الضيف، والغريب، وحيال الطفل والمرأة.
والمروءة هي أقصى درجات الأخلاق والشجاعة، وهي التطبيق الحقيقي لها. فأشجع العرب كانوا أكثرهم حلمًا، وأكثرهم نجدة للضعيف والغريب. وقد يكون الإنسان شجاعًا ويعدم المروءة عندما يستعرض شجاعته على الآخرين بسبب وغير سبب. وقد يكون الإنسان كريمًا ولكن الهياط يحيله إلى لئيم. فمن الأدب والأخلاق أن تحترم الكبير وتوقر الصغير، ولكن هذا الاحترام يتحول إلى مروءة فقط عندما تحترم من لا تعرفه أو من لا ترجو منه شيئًا، تحترمه احترامًا لذاته ولذاتك.
هذه الفجوة بين الأخلاق والمروءة تفتقد للأسف لدى البعض في أمور كثيرة من أهمها عملية التحرش أو عدم غض البصر عن محارم الآخرين، فمن حسن الأخلاق أن تحرص على محارمك ولكن المروءة هي أن تعتبر محارم مجتمعك بغض النظر عمن يكون محارم لك وتغض البصر عنهن. ومن الأخلاق أن تحترم حق من تعرفه في الطريق، ولكن من المروءة أن تحترم حق الجميع في الطريق حتى ولو كانوا غرباء عنك. فما يمارسه البعض أثناء قيادة سيارته بأسلوب أناني لا يراعي حق الآخر في الطريق يعد من خوارق المروءة. فليتنا عند محاولتنا زرع الأخلاق في أبنائنا ننمي حس المروءة لديهم. نعلمهم الشجاعة بالحلم وليس بالسلاح. نعودهم على احترام الضعيف قبل القوي، والغريب قبل القريب.