د. جاسر الحربش
أحرزت دار جداول للنشر السبق في نشر ذكريات الصديقين الدكتور فالح الفالح (حياة في الطب)، والدكتور محمد المفرح (من الزلفي إلى برلين)، وهو سبق في مضمارين؛ المضمار الأول كان الاهتمام بنشر ذكريات علمين متميزين من أوائل البعثات الطبية السعودية إلى الغرب، بعد أن كانت البعثات الطبية بالمجمل تذهب إلى مصر الشقيقة أو باكستان. المضمار الثاني هو الاختيار للزميلين دكتور الفالح ودكتور المفرح، وهما رمزان مضيئان ومخضرمان في مجال الطب الباطني وما زالا يزاحمان أجيال الأطباء الشباب في المهارة والخبرة.
زاملت الصديقين دكتور الفالح ودكتور المفرح في نفس المسار الطبي في ألمانيا الغربية -آنذاك- وفي نفس الفترة، وقد اكتشفت من قراءتي لمذكراتهما أننا نتشارك بما يشبه التطابق في فقر البدايات الأولى للنشأة والحياة المتوقفة عند حدود الكفاف، ثم فيما بعد ذلك من مكابدة الدراسة باللغة الألمانية، وربما -أيضاً- في المسكوت عنه من مغامرات الشباب، عفا الله عما سلف.
ما كتبه الزميلان عن مسيرتهما الطبية وما سبقها من الكفاح الطموح مع الفقر وشح الموارد والانقطاع المعرفي عن أحوال العالم المتطور، كل ذلك يجعل المذكرات مهمة للأجيال الشابة من الأطباء الذين تنعموا بدراسة الطب محلياً، ثم ببعثات التخصص المفتوحة على العالم المتقدم لمن يثبت جدارته المهنية.
وأما قراءة المذكرات للأجيال التي عاصرت ظروف الزميلين الفالح والمفرح فهي ضرورية ومفيدة من باب استعادة الشوق والحنين الذي يسميه المثقفون «Nostalgia»، ولأنها تذكر من طفرت النعمة من أنفه بما كانت عليه الأحوال قبل بضعة عقود من السنين فقط، لعله يذكر أو يخشى ويتواضع. بالنسبة لي كانت قراءة الكتابين استرجاعاً بتسلسل جميل لما مررت به حذوة القذة بالقذة، أي العيش في القرى الطينية الترابية واللعب حافياً في نفس الشوارع المغبرة والشرب مع الماشية من نفس الغدران والحوابيط، وأيضاً نفس الطموح الساذج في أن أصبح طبيباً استجابة لوساوس الأساتذة المصريين الكبار الذين جادت بهم مصر الشقيقة -آنذاك-، فاختارت لتعليمنا أفضل الأساتذة والمربين.
بناءً على ما تقدم لن أغامر بكتابة مذكراتي الخاصة لأنها سوف تكون مجرد تكرار لما سبقني إليه الزميلان، ولأن من يقرأ كتابيهما يكون قد قرأ بالفعل مسيرة أغلب طلبة ذلك الزمان.