د.عبدالله بن موسى الطاير
تحركات القيادة السعودية سواء الملك سلمان أو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -أيدهما الله- تبعث أملاً تتنفسه الأغلبية الصامتة في المناطق التي يزورانها. صحيح أن هناك أقليات تعبر عن مواقفها بالترحيب وتكتب وتتحدث عن دلالات الزيارات الملكية السعودية، ولكن في واقع الأمر هناك غالبية ساحقة تنظر بارتياح وتتأمل نتائج إيجابية على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي في تلك البلدان. وزيارة الملك سلمان لتونس ليست استثناء، وإنما تأتي كمشكاة نور في نفق طويل ومعتم يعيشه عالمنا العربي الذي دخل منذ عام 2011م حقبة مختلفة وشديدة الخطورة على الأمن والاستقرار.
كان الفشل التنموي فيما قبل عام 2011م، وما عرف بالربيع العربي، ينهش البلدان العربية، ومع ذلك فقد ظل الأمل في انتعاش اقتصادي يراود الأغلبية الصامتة في ضوء عدالة الأمن والاستقرار التي كانت حقاً مشاعاً للجميع. إلا أن ثورات الربيع العربي جاءت بوعود وشعارات لم تتجاوز شفاه الثائرون الجدد، فنسفت الأمن والاستقرار ولم تحقق التنمية.
الفئات الصامتة عانت من تطرف الأقلية التي انتهجت قلب أنظمة الحكم والدفع بنخب جامعها نسب الفكر والولاءات الحزبية والخارجية على حساب أمن ووحدة واستقرار الأوطان.
تونس حالة عربية تمكنت من استعادة هيكل الدولة وبسطت الأمن الاستقرار إلى حد كبير.. وهي الآن تسير بالرغم من المزاج الثوري الذي مازال ينشب مخالبه في بعض مفاصلها. التطرف الثوري هو مزيج من التطرف الفكري، والعرقي والديني، يقتات على الإقصاء والمناجزة مع التيارات الأخرى المعارضة له.
المملكة العربية السعودية هي أقدم نظام حكم مستقل ومتصل ومستقر في العالم العربي، وهي التي حملت لواء تحرير البلدان العربية المستعمرة من البريطانيين أو الفرنسيين، وقاومت في الوقت نفسه موجة انقلابات الستينيات التي لم تحقق للأمة العربية سوى التراجع قياساً بما حققته الأنظمة المستقرة الأخرى. لقد أثبتت السعودية عبر السنين أنها على حق وأن مواقفها التي أعلنتها وهوجمت بسببها هي الآن الملاذ المأمول بعد أن ذهب الزبد وبقي ما ينفع الناس.
زيارات الملك سلمان وولي عهده ينظر إليها باهتمام بالغ في أوساط الشعوب العربية، لأنها دولة أحبت الخير للجميع وتعمل على رأب الصدع وتعزيز أمن واستقرار المنظومة العربية في وجه التحديات التي تستهدف العرب جميعاً وبدون استثناء.
العرب يمرون بمرحلة من أشد مراحل السوء التي مرت بهم قتامة.. فإلى جانب التحديات الداخلية التي تهدد الأمن والاستقرار وتتربص بالأنظمة القائمة، يتعرضون إلى تحديات خارجية تستهدف مقدساتهم وكرامتهم ووحدة أراضيهم. الجولان مثال على ذلك، وبغض النظر عن بيع الجولان من قبل النظام السوري عام 1967م، فإن الطريقة التي قدمت بها الجولان هدية من الرئيس الأمريكي لبنيامين نتنياهو دعماً له في الانتخابات الإسرائيلية تثير التكهنات عن طبيعة رد الجميل من قبل نتنياهو في الانتخابات الأمريكية 2020م. ما الذي سيقدمه نتنياهو فيما لو فاز بالانتخابات الإسرائيلية؟ بالتأكيد لن تتدخل إسرائيل في فنزويلا لتقديمها هدية للرئيس ترامب، ولن تأتي برأس كيم جونغ أون ليوقع وثيقة استسلامه في البيت الأبيض، كما أن إسرائيل لن تتبرع بفلس واحد لبناء السور الجنوبي للولايات المتحدة الأمريكية. الهدية المرتقبة التي سيقدمها نتنياهو ستكون كارثة في منطقتنا، تؤدي إلى توحيد الصف الأمريكي خلف الرئيس ترامب وإعادة انتخابه.
التحرك السعودي الذي تمثل في زيارة الملك سلمان لتونس، وما صدر عن القمة العربية بخصوص الجولان والقضية الفلسطينية، جميعها مؤشرات على أن القيادة السعودي تدرك حجم المخاطر القادمة والتي لن يكون أحد بمنأى عن شظاياها فيما لو تم التعامل بسلبية، ولاذت كل دولة بسيادتها وقضاياها الداخلية دون بذل المزيد من الجهد لصالح الأمن العربي المشترك.
العرب مهددون في وجودهم وقضاياهم وأمنهم واستقرارهم.. والسعودية باعتبارها دولة محورية عربياً وإسلامياً وعالميا تعبت على مدار 90 عاماً وهي تبذل جهدها لصالح العرب فيما يشتمها بعض أبناء العرب، ولكنها لم تيأس، ولم تنكفئ على ذاتها.