عمر إبراهيم الرشيد
بم تشعر حين تمر بمبنى مكتبة عامة مقفلٍ وقد اعتراه الغبار ونبتت في فنائه الأعشاب من طول الهجر؟! أزعم بأن كل من يتفضّل علي بقراءة هذه السطور سوف يشعر بما انتابني من خليط مشاعر من المرارة والحزن حين اجتزت مبنى مكتبة عامة وهو الذي وصفته بدءاً. وسبق أن تناولت هذا الموضوع تحديداً من قبل، إنما هذه القضية من أسس حضارة أي شعب قديماً وحديثاً، المكتبات العامة والمسرح والمراكز الثقافية والفنية، ولعلنا استشرفنا ملامح التنمية الثقافية عبر إستراتيجية وزارة الثقافة المعلنة قبل أيام. إن الارتقاء بالوعي والذوق العام وتنمية الحس الثقافي والفني، كل ذلك من شأنه أن يشيع السلوك المتحضّر في الشارع، المدرسة، أماكن العمل، بل وداخل البيت، استناداً على مبادئ وقيم حضارتنا الإسلامية المجيدة التي أخذت حتى الحضارة الغربية الكثير منها، إذ إن الحضارة الإسلامية ليست محصورة في الأوامر والنواهي وإنما من غاياتها السمو بالنفس الإنسانية فكرياً ونفسياً وبدنياً وإرشادها إلى منابع الجمال في كل ما يحيط بها، بل وفي أعماق النفس ذاتها.
لدينا إرث حضاري عظيم، غنما ينقصنا الأخذ بالوسائل والأدوات الحضارية التي تلائمنا دون تضييع الهوية والشخصية المميزة التي يرغب العالم أن يتعرَّف عليها عن قرب مع التحوّل السياحي والثقافي. المكتبة العامة يمكن أن تكون مركزاً ثقافياً واجتماعياً إذا ألحق بها مقهى واحتوت على أنشطة ودورات تدريبية ثقافية تعلّم روادها مهارات الحياة مع فن القراءة وصحبة الكتب. ولا بد من مسرح نشط وجاد لطرح قضايانا بشكل موضوعي متزن، لأنه أبو الفنون ويمكن عن طريقه إحداث الإصلاح والتغيير. وأن الفن التشكيلي أصبح يعتمد كوسيلة علاجية عوضاً عن كونه هواية ترقى بالحس والذوق الفكري والنفسي، كما أنواع الفنون الأخرى وكل نشاط ثقافي وفني هادف، وطابت أوقاتكم.