رمضان جريدي العنزي
لسنا غرائب إبل، ولم تعد الغربان الناعقة تخيفنا، لا الأصوات الفارغة، ولا نقيق الضفادع، ولا فحيح الثعابين يعنينا، لا عواء الجراء، ولا مشاغبة القرود، لا الأقلام المزورة، ولا البالونات المزيفة، ولا حتى الضلال الفكري، والبهت القولي يهمنا، ولا ثمة ما يخيفنا، لا جيوش الإرهاب، ولا منابر الكذب والدسائس والنفاق، يجب على العالم فهم هذه الحقيقة، والعلم بأننا لسنا أسفنجة رخوة، ولا كيكة لينة، أو شطيرة صغيرة، فنحن نشيد الحياة، ونحن العزيمة والهمة، ونحن الأسود إذا ما جاءت الوحوش من كل صوب، لهم المتاهة المرة، ولنا الدليل إذا ما رغبنا الوصول، ولنا في السكون امتداد ظل، لنا الأبجدية كلها، من ألفها لحد الزاي، ولهم ارتخاء الحروف، تعرجات الخط، وتأتأة الكلام، ولنا المخمل إذا ما أردنا المنام، وريش النعام، وأن تواطؤًا سيكون تواطائهم عندنا رقيق خشب، لأرضنا رواسي عاليات، رجال شداد، وتضاريس نابضة بالحياة، وكالعادة لنا امتداد طويل، ونعرف كيف نعيد تشكيل المحاور، ونعرف أيضًا إذا ما أردنا تشكيل الأشياء، نهطل بللاً على من أراد السلام، ونهطل غضبًا على من أراد غير السلام، وحيث ما نحن نكون، توارى الواجهات أمامنا ذبولاً، ولنا الذهول، لنا الحب، ولنا حداء الغضب، لنا النص، ولنا القصيدة، ولنا عاصفة الخطاب، لنا نسق الضوء، وإرتعاشات البياض، لنا البحر، وغيرنا عالق بمدار الأرخبيل، من خصنا بالسلام نخصه بالسلام، ومن خصنا بالغياب نخصه بالغياب، ومن خصنا بالنفور نخصه بالنفور، ولا ننزلق لعفونة اللغو، ولا لرماد الكلام، نتناسل مثل فهود أو نمور أو أسود، نسرف بالحلم والصبر طويلاً، لكن يستيقظ التوهج من عيوننا إذا ما غوى كثيرًا أصحاب الضلال، نبرأ من الضباع، لأننا لا نحب مصاحبة الضباع، ونطرد الغراب لأننا لا نحب نعيق الغراب، ونمقت الثعالب لأن أفعالها خداع، ونزرع في الدروب الحقول، وفي المدار لون البنفسج، والجدول عندنا يصبح من فعلنا فيض ماء، والجذر اليابس بعزيمتنا نحوله خضارًا، سلالنا ملاى، وأرضنا نماء، وغيومنا مزدحمة بالمطر، وعلى رأسها تاج الاعتلاء، هذه بلادي، محاسنها ثغر حسناء، وجدائلها مخضبة بالحناء، وقفارها أحب إلى من كل الديار امتلاء، وهواؤها إذا ما هب جاء غفوة وانتشاء، لها متسع من الضوء، يشق غيوم الفضاء، تخطت أسوار الحلم، إلى ضفاف اللا منتهى، مثل بلورة، توشوش للعيون النظارة، وتزيح أجنحة الظلام، الشمس تطرق بابها، ويلج نواذها القمر، ووجهها يضيء المكان، استقامت كالمدى، ما بين الماء والماء، بلادي المروءة، ما تعذر صوتها يومًا عن الانتخاء، بلادي سيف، دروبها لاهبة، هجيرها لظى، ورملها فوار، نخلها طلع، وأشجارها دالية، وأهلها أباة، بلادي ابتداء المواسم، وحقل السنابل، وفصل العطاء، نعيش فيها بين ضفتي هناء، وغيرنا يوغل بالدمار والذبول، المرارات عندهم قاسية، وشوك المكايد يدمي اليدين، والطيور عندهم لا تطير، ولا تعرف حتى كيف تستدير، وحتى المقابر عندهم صار لها اشتهاء، فأصعدي يا بلادي أصعدي، رغم أنوف الأعادي، فلا يليق سواك بالنظارة والبهاء.