مهدي العبار العنزي
دائمًا نسمع هذا المثل الذي يردَّد عندما يقوم أحد الأشخاص بأعمال تتكلم عن الكرم والبذل والعطاء، ثم بعد ذلك يتم اكتشاف أن كل هذه الأعمال وهذا العطاء وهذا الكرم الذي أهداه للآخرين هو ليس من ماله، ولا من حلاله، بل من أموال الآخرين.
لم أجد مثلاً ينطبق على فخامة الرئيس ترامب أبلغ من هذا المثل؛ ولهذا نقول لصاحب الفخامة: هل تسمح لنفسك شخصيًّا، وهل يسامحك الشعب الأمريكي بأن تعطي أو تتنازل عن شبر واحد لأي كان من أراضي الولايات المتحدة الأمريكية؟ بطبيعة الحال الإجابة معروفة، ولكن السؤال: كيف سمح فخامته لنفسه بأن يعطي لنتنياهو مرتفعات الجولان السورية المحتلة وهو يعرف تمامًا أن هذه الأرض وسكانها تم احتلالهم في عام 1967 ميلاديًّا؟ وكلنا نعلم أن القانون الدولي والاتفاقيات وجميع عقول البشر لا تقبل على الإطلاق أن تُمنح أرض لمن احتلها بالقوة، وهذا الأمر يعرفه فخامة الرئيس ترامب شخصيًّا، وحتى لو لم يعرفه فإن كثيرًا من أبناء الشعب الأمريكي سيذكِّرونه بذلك.
نحن ندرك أن كثيرًا من الأمريكيين يستهجنون هذه الخطوة، ويعتبرونها تعديًا على حقوق الغير. أما نحن العرب فإنه من حقنا أن نشجب ونستنكر ونصرخ عبر الإعلام فقط، وما عدا ذلك فإن الأيادي مكبلة، ولا حول لنا ولا قوة؛ لأن الخصم أمريكا، ومن تكون أمريكا؟ هذه دولة عظمى، دولة كبرى، دولة تتحكم في مصير العالم، دولة تملك كل مقومات السيطرة والتسلط على العالم بأسره بالقوة، التي - بكل أسف - وجدت لها منفذًا بل منافذ لإذلال العرب، وسلب حقوقهم، وإضعاف قراراتهم.. وها هي خطوة جديدة سبقتها خطوات، كان من أهمها، ومن أسوئها، اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقبلها رفض كل قرارات مجلس الأمن التي تتعلق بإثبات الحق لأهله.. ولكن لا جدوى؛ فهل هناك يا فخامة الرئيس خطوات قادمة، تتمثل في قضم أراضي الأمة العربية، ومنحها لصديقكم نتنياهو؟ ألا يكفي من رجل اختاره الشعب الأمريكي ليكون رئيسًا له على أنه يملك العدل ويملك العقل ويملك الإنصاف، ويملك كل مقومات الفضيلة البشرية التي لا تجيز على الإطلاق احتقار الناس، ونهب مقدراتهم، ومصادرة حقوقهم المشروعة، أن يكون كريمًا لهذه الدرجة؟ وكيف سمح له ضميره ومكانته وهيبة دولته بأن يوقِّع على مرسوم، يثبت أن الجولان لإسرائيل؟ من حقنا نحن العرب - وعلى أقل تقدير - أن نسأل فخامته: هل هذا هو العدل الذي تنادون به؟ وهل هذا هو الإنصاف الذي تتحدثون عنه؟ وهل هذه المصداقية التي تبنون عليها علاقاتكم مع دول وشعوب العالم؟
كنا نقول من غير المعقول أن الدولة العظمى التي تدعي حفظ الحقوق ورخاء العالم واستقراره وسلامة مكتسباته أن تفعل مثل هذه الأفعال! فخامة الرئيس المحترم ترامب، تأكد أن الحقوق لا تضيع بمجرد توقيع.