م. خالد إبراهيم الحجي
إن الإنترنت أهم عناصر التكنولوجيا الحاسمة في عصر المعلومات، وهو الشبكة العنكبوتية التي تشتمل على كثير من تطبيقات التواصل الاجتماعي والخدمات المعلوماتية، ومن أهم أدوات الإنترنت المستخدمة على نطاق واسع محركات البحث العديدة، مثل: بينج وياهو وجوجل التي تتميز بدقتها العالية وسرعتها الفائقة في الوصول إلى المعلومات المطلوبة، والنصوص التي يريدها الباحثون بأقل جهد وفي أسرع وقت من بين ملايين المستندات التي توفرها الخوادم الحاسوبية المختلفة على الإنترنت حول العالم. وقناة اليوتيوب التي تتميز بمحرك بحث خاص فيها عن الفديوهات التي تتيح للمستخدمين إنشاء ملفاتهم الشخصية، ومشاركاتهم من مقاطع الفيديو لعرضها للمشاهدين، وإبداء الإعجاب بمقاطع الفيديو الأخرى المعروضة من جميع أنحاء دول العالم، والتعليق عليها. ومكنت من انفتاح المجتمعات الإسلامية على بعضها البعض، وانفتاحها على المجتمعات الغربية الرائدة في اختراع وسائل التكنولوجيا الحديثة التي تلبي احتياجات الإنسان المختلفة، وتحقق متطلباته العصرية المتنوعة. وهذا الانفتاح الشديد على بحر المعلومات أدى إلى التشتت الذهني بسبب تدفقها الغزير، وكثرة القضايا، وتعدد الموضوعات وتنوع الخيارات، والتوتر والضغوط النفسية بسبب تداخل الموضوعات المستجدة، وتشابكها وحساسية القضايا المعاصرة التي ظهرت بسبب التكنولوجيا للوصول إلى مبررات أخلاقية أو تفسيرات دينية لها. واستخدام محركات البحث العديدة نتج عنه الآثار التالية:
أولاً: سهولة الاطلاع على النشاطات الدعوية، والحصول على المعلومات الإسلامية والفتاوى الشرعية من جميع العلماء المسلمين على تعدد مذاهبهم الدينية، من جميع الدول العربية والإسلامية، وأخذها منهم مباشرة على هيئة نصوص مكتوبة عبر المواقع والبوابات الإلكترونية أو على هيئة فديوهات وهم يتحدثون على قناة اليوتيوب التي تصل إلى الباحثين على هواتفهم المحمولة بسرعة فائقة جداً في الإقامة والسفر، والحل والترحال، فَقلَّ التواصل الفعلي وتناقص التفاعل الحيوي بين المجتمع ورجال الدين، وربما يصل إلى حد الانعزالية في بعض الحالات.
ثانياً: شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت أقوى وسائل التواصل في الوقت الحاضر، وكل يوم تزداد عليها الاتصالات الجماعية للمجموعات (الجروبات) التي تبرز اتجاهات الأفراد الخاصة، وتنشر ثقافتهم الدينية، وتزيد المساحات الشخصية لهم في المجتمع، وتؤدي إلى التأثير الشديد على جمهور المتابعين فتجذبهم وتستقطبهم، وتؤسس بيئة خصبة لنشر الثقافة الإسلامية المعاصرة.
ثالثاً: الإنترنت الآن ضرورة لجميع أنواع الخدمات المدنية التي أصبحت تعتمد على التطبيقات التقنية المختلفة (الآب) المثبتة على الأجهزة المحمولة التي تميزت بقدرات خارقة على توحيد المفاهيم المتباينة في مكونات المجتمعات المختلفة؛ لدرجة أن بعض المحللين والمنتقدين يرون أن الإنترنت وتطبيقات الهواتف المحمولة في العقدين الأخيرين أدى إلى ضعف الوعي الديني، والبعض الآخر يرى أنهما ومخرجات التكنولوجيا الأخرى تعزز مبادئ الإسلام الأصيلة، وتنمي الوعي بها، ويمكن أن تكون بمثابة حصن منيع ضد موجات التشكيك في سماحة الإسلام ويسره، وقدرته على تلبية متطلبات الإنسان بما يواكب مستجدات العصر الحديث، وتوظيف إمكانيات التكنولوجيا الحديثة في خدمة النشاطات الدينية الجديدة، وتوسيع مساحة الوسطية والاعتدال الديني في معالجة المشاكل الاجتماعية المستجدة، وحل القضايا المعاصرة التي يعاني منها الأفراد وتواجهها المجتعات على حد سواء.
رابعاً: أثَّر الإنترنت في العقدين الأخيرين بشكل تدريجي على المجتمعات الإسلامية في المجالات المختلفة، وعلى المستويات المتعددة، خاصة في مجال طرق التواصل، والبحث عن المعرفة والوصول إليها؛ فساعد على انفتاح المجتمعات الإسلامية والاطلاع على الثقافات الغربية والحضارات الأخرى فأدى ذلك إلى تصحيح بعض الاجتهادات الدينية المغلوطة في كتب التراث، وإلى تغيير تدريجي في الموروث الاجتماعي المتمثل في العادات والتقاليد والتراث الثقافي، فدخلت على المجتمعات الإسلامية كثير من المعايير التقنية الحديثة؛ فتكيفت لتعيش الواقع الراهن، وتأقلمت شيئاً فشيئاً لتواكب متغيرات عصر المعلومات والتطور التكنولوجي.
الخلاصة:
إن الإنترنت والهواتف المحمولة تتيح للناس إنشاء مجتمع لهم يجمع بين معرفة المبادئ الدينية الأصيلة والثقافات الدينية المعاصرة حتى لو كانوا جسدياً يعيشون في بيئات علمانية في أنحاء دول العالم.