د. محمد عبدالله العوين
مكتبتان كنت على صلة وثيقة بهما؛ مكتبة الدخيل ومكتبة اللواء، وبدأت العلاقة بهما حين كنت أغذّي «مكتبة الثقافة» بالكتب منهما في السنوات الأربع من عام 1393- 1396هـ وأنا طالب في المعهد العلمي وأتولى البيع في المكتبة بمرتب مائة ريال في الشهر!
لم أكن صاحب فكرة المكتبة؛ بل كانت مشروعاً ثقافياً فكرياً رائعاً أبدعه طموح وتطلع نخبة مثقفة من شباب مدينة حوطة بني تميم لتكون المكتبة منارة وعي جديد ونافذة لنشر المعرفة والأدب، وقام مشروع المكتبة على جمع رأسمال محدود أسهم فيه جمع غفير من أبناء المدينة لكل سهم مائة ريال، وتولى زميلان فاضلان هما د. خليل بن عبد الله الخليل عضو مجلس الشورى السابق وأخوه الأستاذ حسن الخليل رئيس تحرير مجلة الحرس الوطني ومدير عام العلاقات سابقاً مهمة جمع المال وشراء الكتب والأدوات المدرسية واستئجار دكان صغير متواضع على الشارع الرئيس.
كان الإغراء الأول حين عرضت علي مهمة إدارة المكتبة اغتنام فرصة الاطلاع على الكتب والمجلات والصحف أكثر من الفوز بالمائة ريال آخر الشهر، وبصحبة الزميلين الكريمين تعرّفت على صاحب مكتبة الدخيل وأظن أن اسمه «صالح» إن لم تخني الذاكرة، وهو رجل ربعة أسمر وقور يميل إلى الصمت إن لم ينطقه أحد من زوار مكتبته، في منتصف الستينيات من عمره وخط الشيب لحية صغيرة قصيرة لم يعتن بها ويمسك بين يديه نظارة ثقيلة يرتديها حين يريد القراءة أو الكتابة، كان يدعني أختار ما شاء دون أن يرغبني في هذا أو ذاك، وكأنه لا يعلم عن ميزة هذا الكتاب أو ذاك، ولعله احترف بيع الكتب مع الأدوات المدرسية للتجارة الخالصة، ولذلك لم يكن لمكتبته اتجاه فكري أو أدبي محدد، فكنت أجد لديه ما يروق وما هو مكرر من القصص الشعبية أو دواوين الشعر العامي أو المجلات المنوّعة كالنهضة واليمامة واقرأ ونحوها، ولكنني وجدت لديه تسامحاً كبيراً في الأسعار ما ناسب ميزانية المكتبة، ثم ما ساعدني على زيارات له لاحقاً بعد أن انتقلت إلى الرياض عام 1396هـ.
كانت المكتبة تقع على يسار العابر لشارع الخزان من الغرب إلى الشرق، حيث يتقاطع مع شارع الوزير في مواجهة المكان الذي بنيت فيه لاحقاً عمارة الملك خالد.
ووجدت الفكر والأدب في «دار اللواء» فكان اللقاء الأول بصاحبها الأستاذ عبد العزيز التويجري صبيحة يوم ربيعي بعد صلاة الفجر بقليل ونسمات عبقة يرشها الفجر الندي السخي بآمال شاب يستعد للذهاب إلى المعهد العلمي في السنة الأولى الثانوية فإذا الباب يطرق ثم يطرق، من يا ترى الطارق في لحظات انحسار الغلس هذه؟ وكانت المفاجأة سيارة «بيجو» بيضاء جديدة يتكئ على مقودها خليل وبجانبه رجل بدين أبيض البشرة مشربة بحمرة والطارق حسن الذي سلم ثم قال: اركب معنا. قلت: إلى أين؟ قال: معنا لك بضاعة غير مزجاة ستفرح بها كثيراً.. يتبع