د. صالح بن سعد اللحيدان
كلمة عربية دارجة سيان نسمعها لكن دون توظيف لغوي جيد لمعناها فيوردها المورد على علات شتى، وهذا ما كان موجبه بيان لبعض معانيها في هذا (المعجم) وعليه أذكر شيئاً من ذلك:
1/ صفا: هذا هو أصل هذه الكلمة من (النقا).
2/ صفا: يصفو يظهر جماله.
3/ صفا: نير وبين.
4/ صفا: تجلى ووضح.
5/ صفا: بان وانكشف.
والصفا كلمة من ذوات الاشتراك اللفظي، يشترك في معناها الحس والمعنى فيقال: (صافٍ أمره) واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.
ويُقال: (صافٍ حكمه) ظاهر ومقنع.
ويقال: (صافٍ قلبه) يُراد طاب من كل سوء.
و(صفا أمره) بان وانقاد له كل من حوله، ويُقال: صفت حاله أو حالته استقرت، (وصفا الماء وصفا اللبن) نظف وحسن للشرب، (وصفت نفسه) هدأت وطابت، ويقال: (صفحته بيضاء وصافية) أي لا ذنب عليه، ويقال: (بئر صافية) نقية، وأصل الصفا النقاء والبيان والوضوح، وقول القائل: صفا الجو أي خلا من التكدير، وأصل الصفا أنه موهبة إذا كانت نفس الإنسان صادقة عفيفة، وهذا ما يجعل النفس خادمة للعقل لا تتخطاه ولا تدلس عليه أو تلبس لتوقعه في مهب الريح فيضيع في جو الآمال والأماني التي قد تتخطاه إلى غيره من النابهين، ولا الهوى بقادر كذلك على التأثير على العقل ولا العاطفة بفاعلة أي شيء.
والنابهة من النساء، والنابه من الرجال هو من يتبصر ويعي ويدرك حيل النفس وظلالات العاطفة وأماني الهوى.
ومثل هذا النوع من الرجال والنساء نادر وإن كان الاكتساب يوحي بشيء ما لكن لا يبرح صاحبه أن يزل لأن حيل النفس طاغية، ولكي تتضح الصورة فإن من صفات الصافي النفس والرؤية ما يلي:
1/ هدوء الطبع.
2/ يثق بكل أحد لكنه مهاب فلا تجتري عليه أحد.
3/ صريح جداً وواضح.
4/ يتسم دائماً بالرسميات.
5/ من الصعب استغلاله ويحذره من يعرفه عن قرب.
6/ يصلح كأمين على المال والوثائق والأمور الحساسة.
7/ يتسم بالأمانة وشدة التحري.
8/ صريح ويبذل قصاراه حتى يؤدي ما عليه.
9/ يميل غالباً إلى إحمرار الوجه عند الجدل.
10/ مثله قد يعاديه الكثيرون ما لم يؤخذ بيده.
11/ لديه إحساس غريب أنه منصور.
12/ لم يوجد بينهم من توفى مبكراً فبعضهم تجاوز الـ 100 وبعضهم وصل إلى 140 عاماً.
13/ يعرف جيداً من أساء إليه وغالبهم يلمح ولا يصرح إذا كان خائفاً أو لا يود كشف سرٍ ما أثر مذموم لكنه يتعذب كثيراً.
14/ وجد من خلال دراسات ميدانية أن غالبهم يتسلى بالحياة كالمتفرج على من أساء إليه.
قلت من قبل إن هذا النوع نادر وجوده ما لم يبحث عنه في دهاليز الخبايا حتى يوقف عليه، ولقد كان الرسل- عليهم السلام - يولون هذا النوع الاستشارات ودوام الصحبة ولا يسمعون فيهم قولاً أبداً كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم - مع أبي عبيدة ومع أبي بكر وعمر ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان، وكما فعل موسى- صلى الله عليه وسلم - مع (يوشع بن نون).
وتجد هذا في روايات كثيرة عن هذا النوع خلال عهود خلت لكنه قد يعادى من قبل البعض لأنه يغلق الطريق أمام المنتفعين الذين يتحلون بالذكاء.
والجرأة والمتسلق دائماً يتصف بالذكاء والمرونة حتى يصل إلى مراده.
هذا النوع الصافي الصادق الجاد من الصعب أن تكتسب صفاته بخلاف الموهبة فيمكن اكتساب بعض صفاتها خلال مدة قد تكون طويلة لكن يمكن تنمية روح العدل، الأمانة، الجد، الصراحة العاقلة، طول السمت من خلال التعليم والتثقيف وتراجم الرجال الذين قد كان لهم حظ كبير من هذه الصفات.
وقد وقع لأبي هريرة ما وقع ومع أنه كان أُمياً لا يقرأ ولا يكتب لكنه كان بالمنزلة منزلة كبيرة وعالية، فهو بحساب السياسات العليا اليوم، فقد كان (وزيراً للمالية) فخزانة بيت الصدقة (بيت المال) هو بمنزلة الإشراف الكلي على مثل ذلك المرفق المهم.
وأبو هريرة كان أسمر يشوبه بياض خفيف بين النحيف والعريض، يميل إلى الطول قليلاً، كث الشعر يستعمل كلتا يديه ما عدا الطعام والشراب، قليل الكلام بح الصوت (صوته مبحوح)، حاد الطبع، صريح القول والأخذ والعطاء. هذا النموذج الحي يتحرك وانظر ترجمة حذيفة بن اليمان مثلاً، وهذا مثال يُغني عن كل مثال، وفي كل العصور قد يوجد مثله لكن من الصعب إيجاده ما لم يُجبر على العمل حتى وإن كان عليه بعض ما قد يوجب صرف النظر عنه.