د.عبد العزيز الصقعبي
انتهى منذ أيام معرض الرياض الدولي للكتاب، وبحق كان المعرض احتفالية ثقافية كبرى، وفي فترة إقامة المعرض، كان هنالك احتفالية بيوم الشعر العالمي، حيث تم تكريم عدد من الشعراء، وفي الوقت ذاته وفي المنطقة الشرقية أقيم مهرجان الأفلام السعودية.
حراك ثقافي جميل، وهذا أعتقد أنه طبيعي، إذا كان الفعل الثقافي قائماً على مدار السنة، لكن المشكلة لدينا، أن بعد تلك التظاهرات، يتوقف النشاط الثقافي، مع وجود استثناءات قليلة لبعض المدن والجهات التي تحرص على مواصلة النشاط الثقافي طيلة أيام السنة، مثل الأحساء.
المشكلة لدينا هي وجود أكثر من نشاط بوقت واحد، مع عدم التنسيق بين المؤسسات الثقافية فيما بينها، لتوزيع النشاط الثقافي على عدد من الأيام، لذا فأحياناً يكون في النادي الأدبي في الرياض محاضرة أو ندوة، وفي الوقت ذاته يكون هنالك ندوة أو معرض تشكيلي في الجمعية، ومحاضرة في مركز الملك فيصل، وكذلك في مكتبة الملك عبد العزيز العامة، بالطبع تعدد الأنشطة أمر جميل ولكن عقدها في وقت واحد، قد يوثّر على الحضور، ولاسيما أن هنالك عدداً كبيراً من المهتمين بالثقافة والأدب يحرصون على حضور الندوات والأمسيات الثقافية على الرغم من قلتهم، ولكنهم يفضلون النشاط المنبري.
ونرى ذلك جلياً في الصالونات الأدبية، حيث تستقبل بعض الذين يتنقلون بينها، وفق جدولها المطروح، وكل صالون اختار يوماً محدداً، فهنالك الأحدية والأثنينية والثلوثية والأربعائية، وهكذا.
نحن نتمنى أن يكون هنالك فعاليات ثقافية طيلة أيام الأسبوع، ويكون لكل واحد حرية حضور أمسية أو ندوة أدبية، أو مشاهدة عرض مسرحي، أو زيارة معرض فنون تشكيلية، وهذا الفعل الثقافي اليومي المتواصل، يرتقي بذائقة الناس وثقافتهم، ويبث المتعة في الحياة.
نحن لدينا عدد من المؤسسات الثقافية، وهي محدودة جداً، ولكن أعتقد أن بعضها بحاجة للدعم لتقوم بالفعل الثقافي طيلة أيام الأسبوع، بحيث لا يكتفي مثلاً النادي الأدبي بمحاضرة أو ندوة في الأسبوع، بل يكون هنالك نشاط ثقافي بصورة يومية، بمعنى أن يكون النادي أو الجمعية مكان للقاء الأدباء والفنانين، ولكن قبل ذلك من المفترض أن تجهز عدة قاعات، يقام فيها الفعاليات ويجتمع فيها الأدباء والفنانون، كل وفق إبداعه، فهناك كتاب القصة، وهنالك الشعراء، وكذلك كل من له علاقة بالمسرح أو السينما أو الفن التشكيلي، وجود المكان المخصص، يشجع على التواصل ويحفز على الإبداع، ويخلق مناخاً ثقافياً صحياً.
المشكلة لدينا في المشهد الثقافي، أن المؤسسة الثقافية تقدّم فعالية ثقافية ليوم أو يومين، وتغلق أو تتوقف عن النشاط لبقية الأسبوع، كما يحدث في الفعاليات الكبرى التي تكون في أيام محدودة في السنة.
لنتشكل بصورة أفضل ونتغير، ليكن عندنا نشاط ثقافي دائم، ليكن هنالك عرض مسرحي يمتد لعدة أيام ولا يكون عرضاً أو عرضين في عطلة نهاية الأسبوع، لمرة واحدة، وبالطبع ونحن نتحدث عن المسرح، من المهم أن يخرج عن حالة الشتات، مهم أن يكون هنالك فرق مسرحية لها مسرحها الخاص الذي تقدم بها عروضها على مدار العام، ليكن هنالك مسرح وطني أشبه بالمسرح القومي بمصر، تعرض فيه أعمال متميزة، وإن كانت إلى حدّ ما نخبوية، ولكن بكل تأكيد لها جمهورها الخاص، مع الأخذ بالحسبان أن الفرق الأهلية ستخلق التوازن بتقديم الممتع والمفيد.
نحن نعيش مرحلة جديدة، لتكن هذه المرحلة في الفعل الثقافي بمستوى رؤية المملكة، وهذا يعني أن زمن الارتجال والاجتهاد، انتهى، فلا بد من تخطيط، وفعل جماعي، بوعي، مع عدم التكرار، أو التركيز على أيام محدده، والتوقف عن النشاط بقية الأيام، ولكي يكون المشهد الثقافي طبيعياً لا بد من الديمومة والاستمرار في الفعل الثقافي وهذا ما نأمله.