د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
سألتني بجمع لفظ (امرأة) ابنتنا النابهة سارة بنت سليمان الخميس، فأجبتها جوابًا مجلسيًّا هو أن القياس في كل ما انتهى بتاء تأنيث أن يجمع بألف وتاء وإن كان علمًا على ذكر، وإنما لم تجمع امرأة بألف وتاء اجتزاء باسم الجمع نسوة، وأعود لتفصيل ذلك بأن القياس في مثل هذا اللفظ ونحوه أن يجمع بألف وتاء؛ «وذلك أن كل مؤنث بالهاء فَلَكَ أن تجمعه بالتاء، نحو (ثمرة وثمرات) و(سفرجلة وسَفَرْجَلات)»(1)، وقال ابن مالك «يُجْمَعُ بالألف والتاء قياسًا، ذُو تاء التأنيث مطلقًا»(2)، وكذلك ما ختم بتاء تأنيث من أعلام الذكور، أو نعوتهم، قال سيبويه «زعم يونس أنَّك إذا سميت رجلًا طلحَةَ أو امرأةَ أو سلَمةَ أو جبَلةَ، ثم أردت أن تجمعَ جمعتَه بالتاء، كما كنت جامعه قبل أن يكون اسمًا لرجل أو امرأة على الأصل. ألا تراهم وصفوا المذكّر بالمؤنث، قالوا: رجلٌ رَبْعةٌ وجمعوها بالتاء: فقالوا رَبَعاتٌ، ولم يقولوا: رَبْعُون. وقالوا: طلْحة الطَّلَحات، ولم يقولوا: طلْحة الطَّلْحِينَ. فهذا يجمع على الأصل لا يتغير عن ذلك، كما أنَّه إذا صار وصفًا للمذكر لم تذهب الهاء»(3). وهكذا جمع (امرأة) بألف وتاء لنقله للعلمية، قال أبوحيان «فإن سميت بامرأة قلت: امرآت»(4)، وكذلك ما لحقته تاء التأنيث للمبالغة، «وتجمع هذه الفصول كلها بالألف والتاء، فيقال: رجال راويات، وعلّامات، ونسّابات، ومِجذامات، ومِطْرابات، ومِعْزابات، ولحّانات، وهِلْباجات، وفَقاقات، وجُخابات»(5).
ولكن (امرأة) النكرة وألفاظًا أخرى امتنع جمعها بألف وتاء، قال أبوحيان «ولا يجوز جمع شفة، وشاة، وامرأة، وأَمَة، وفلانة، وفُلَة بالألف والتاء، وإن كان فيهما تاء التأنيث»(6). وتركوا جمع (امرأة) المقيس استغناء بما دل على جمعها من اسم الجمع، وهو (نسوة)، قال سيبويه «وكما استغني بنسوةٍ عن أن يجمعوا المرأة على لفظها»(7)، وتركوا جمع شفة وأمة استغناء بالجمع المكسر، وكذلك (عِزَة)، قال السمين الحلبي عن جمع (عِزَة)، أي جماعة «ويُجْمَعُ تكسيرًا على عِزًى نحو: كِسْرة وكِسَر، واسْتُغْنِي بهذا التكسيرِ عن جمعِها بالألفِ والتاءِ، فلم يقولوا: عِزات كما لم يقولوا في شَفَةٍ وأَمَةٍ: شِفات ولا إمات استغناءً بشِفاهٍ وإماءٍ»(8). وذكر ابن يعيش أنّ (شفة وشاة) «لم يجمعوه أيضًا بالألف والتاء إذا أرادوا أدنى العدد، كأنّهم استغنوا بـ(شِفاهٍ) و(شِياهٍ)»(9).
ونخلص من ذلك إلى أن (امرأة) لا تجمع بألف وتاء ولا بجمع مكسّر استغناءًا باسم الجمع (نسوة)، وأما غيرها فلم تجمع بألف وتاء استغناء بجمعها المكسّر.
ولأن (نسوة) أغنت عن جمع (امرأة) عدّ بعض المعجميين (نسوة) جمعًا لها، قال الرازي «(النُّسْوَةُ) بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ وَ(النِّسَاءُ) وَ(النِّسْوَانُ) جَمْعُ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهَا»(10).
... ... ...
(*) مهداة إلى ابنتنا العزيزة سارة بنت سليمان الخميس حفظهما الله.
(1) ابن جني، سر صناعة الإعراب، 2: 259.
(2) ابن مالك، شرح التسهيل، 1: 112.
(3) سيبويه، الكتاب، 3: 394.
(4) أبوحيان الأندلسي، ارتشاف الضرب، 2: 585.
(5) الهروي، إسفار الفصيح، 2: 797.
(6) أبوحيان الأندلسي، ارتشاف الضرب، 2: 585. وفلانة وفلة يشكلان عندي بعض الإشكال؛ إذ لا أجد في التراث لفلان أو فلانة جمع تكسير، أما فُلَة فقد أوردت بعض المعجمات لها جموعًا، جاء في التكملة والذيل والصلة للصغاني (6/ 287) «يقال في بعض اللغات: يا فُلُ للواحد، ويا فلان للاثنين، ويا فُلونُ للجمع، ويا فُلَةُ ويا فُلَتَانِ ويا فُلَاتُ»، ولعله بعد ترخيمه جاء على حرفين فساغ جمعه، جاء في شرح كتاب سيبويه (4/ 327) «قال أبو سعيد: اعلم أن ما كان على حرفين وفيه هاء التأنيث فله باب ينفرد به، ولا يشاركه فيه غيره إلا ما شذ مما يشبه به، وباب ذلك أنه يجمع بالألف والتاء، فلا يغير لفظه كقولهم: (قُلَة) و(قلات) و(كُرَة) و(كرات) و(ثِبة) و(ثبات)»، ولذا ساغ أن يقال في (فُلة) فلات.
(7) سيبويه، الكتاب، 4: 99.
(8) السمين الحلبي، الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، 10: 461.
(9) ابن يعيش، شرح المفصل، 3: 341.
(10) الرازي، مختار الصحاح، ص: 310.